IMLebanon

«تسونامي» التغيير من الداخل قادم

ليس بالضرورة، ان تنتهي كل حرب بانتصار طرف على الطرف الآخر حتى يتغير العالم. القرار الاميركي في استئناف العلاقات مع كوبا بعد حصار ومقاطعة استمرا نصف قرن، قرار كبير في حرب صغيرة سيغير العالم.

أخيراً، عادت الحياة الى «الأوبامية». القرار الشجاع والتاريخي الذي أقدم عليه الرئيس باراك اوباما ينهي استراتيجية اميركية استمرت رغم انتهاء الحرب الباردة وطبقت في دول عديدة في مختلف القارات. تقوم هذه الاستراتيجية على العمل لإسقاط اي نظام يخالفها بالقوة او بالتآمر. دائماً كانت الشعوب هي الضحية. في اغلب الحالات خصوصا في اميركا اللاتينية، كان «العسكر» هم المستفيدين. ما ساهم في التصعيد، ان الشعوب كانت تصمد وتقاوم وتتحمل في كثير من الحالات القهر والقمع بديلاً عن نفوذ «الانكي» او «الامبريالية».

القرار الأوبامي المتعلق بكوبا، يؤسس لعصر جديد، خصوصاً اذا تحولت الاستراتيجية الأوبامية الى نهج سياسي اميركي عام. تقوم الاستراتيجية الأوبامية الجديدة على دعم المجتمعات والقوى المدنية، وقوى التغيير في الدول لإحداث التغيير المنشود. القرار الأوبامي يشطب سياسة الحظر لأنها عمل انتقامي وحاقد. بقاء أنظمة خارج الشرعية الدولية غير مقبول أيضاً.

لو كان اوباما اقدم على هذا القرار، دون انخراط كوبي واضح بالتغيير، لكان الخاسر الكبير. لكن كوبا دخلت مساراً جديداً منذ تقاعد فيديل كاسترو. انهيار الاتحاد السوفياتي فرض على هافانا تعاملاً واقعياً مع هذا التغيير الانقلابي. مهما كان الشعب الكوبي صبوراً على الحظر الذي وصل الى درجة قول كوبية قبل أيام: «حتى البصل بات ترفاً»، لم يعد باستطاعة كوبا ان تستمر بالقتال وحدها. لا يمكن حالياً تحديد ما قدمته هافانا ثمناً للمصالحة لكن من المؤكد انها دفعت الثمن المقبول من واشنطن دون تشهير ولا مبالغات. عاجلاً أو آجلاً لا بد لكوبا من العودة الى الحظيرة الدولية الأخذ بشروط التعامل والعمل مع هذا العالم الجديد.

توجد ايران وكوريا الشمالية الخاضعتان للحصار والمقاطعة الاميركية. كوريا الشمالية، مسألة معقدة جداً لأنها عقدة قطع ووصل في التوازن الصيني الروسي الياباني. ما لم يصدر قرار من موسكو وبكين لا يمكن رفع الحظر والتخلص من العائلة المجنونة التي تحكم كوريا الشمالية. لكن لا شك ان العالم تعب كثيراً على غرار الشعب الكوري من جنون عائلة سونغ. ربما يجب ان يكون الثمن كبيراً لكي تقبل بكين وموسكو بالتغيير.

اما ايران فان المفاوضات مع واشنطن تسير على سكة التفاهم. بعد حصول النظام الايراني، على ضمانات أميركية بأن اسقاط النظام لم يعد هدفاً لواشنطن، بدأ جدار انعدام الثقة يتخلخل. لا يمكن ان تتقدم المصالحة الاميركية الايرانية دون تغييرات عميقة داخل ايران. نظام «الموت لأميركا» على طريق التغيير. في الاصل الشعب الايراني ليس ضد الولايات المتحدة الاميركية ولا يحمل مشاعر معادية راسخة وقوية. النظام الحالي هو المعادي للأميركيين. هذه المعاداة جرت في بدايات الثورة، عندما شعر الإمام الخميني ان المعارضة المدنية والسياسية من اقصى اليسار الى الليبراليين تقف ضد تسلم «العلماء» السلطة، جرت تصفية كل القوى المعارضة بالحصار او بالسجن والاغتيال والتخوين. سياسة الالغاء التي اتبعت ضد كل التيارات السياسية غير الدينية الملتزمة بالخمينية، لم تكن كافية لتثبيت النظام. لذلك جرت ادلجة فكر الثورة على قاعدة المعاداة لأميركا فكان الشعار التاريخي «الموت لاميركا».

إلغاء هذا الشعار ونجاح المفاوضات سيفرض حكماً تطوير النظام وانفتاحه على العالم ودخوله تحت مظلة الشرعية الدولية. دائماً الخطوة الاولى هي الصعبة. بعدها، تصبح كل الخطوات والارتدادات الحاصلة طبيعية وضرورية. ايران التي تقاتل في سوريا ولبنان والعراق واليمن، لا بد لها في النهاية من تغيير وسائلها و»اسلحتها» وأن تتصالح مع محيطها.

كوبا جزيرة صغيرة. استحقت مبادرة كبيرة. «تسونامي» التغيير من الداخل قادم. كثيرون سيدفعون الثمن غالياً، والكثير من الشعوب سيحملها «التسونامي» الى الخلاص بعد ان دفعت أكثر بكثير مما يجب من الحجر والبشر.