Site icon IMLebanon

الـ Tuk Tuk تجتاح البقاع فهل تصل إلى بيروت؟

 

 

بديل النقل “كويّسة ورخيّصة” تناسب فقر الحال

 

يُقال “القلّة تولّد النقار”، لكن في لبنان القلة تولّد الأفكار التي تصارع الزمن الرديء وتخلق فجوة في جدار اليأس والفقر. وحين يطرق الجوع الأبواب يفتش اللبناني عما يرد به ضرباته. الـ”توك توك” Tuk Tuk فكرة جديدة تحبو على دواليب ثلاثة لتبعد العوز عن الغارقين فيه، وتنحى بصورة لبنان شرقاً نحو تلك البلدان الفقيرة التي تتهادى فيها الـ”توك توك” ملكة على الطرقات. فكرة أخذت كل أبعادها في البقاع الأوسط وشرعت تجنح نحو بيروت والسواحل فهل بدأ لبنان معها يتخذ وجهاً آخر؟

 

من كان يسوح بين جبيل وشكا في السنوات الماضية كان يفرح لرؤية تلك العربات الصغيرة “الإكزوتيك”، التي تتجول في المنطقة بين المنتجعات السياحية والمراكز البحرية مبشرة بوجود حركة سياحية زاهرة. حينها كانت الـ”توك توك” رمز إزدهار وبحبوحة وشغل. وبفعل فاعل إنقلبت الأوضاع في لبنان واختفت كل حركة سياحية فيه وغاب الشغل والبحبوحة، لكن الـ”توك توك” لم تغِبْ عنه بل تحولت مهمتها من ترفيهية الى معيشية وصارت الحل البديل في زمن الغلاء والفقر. لم تعد لعبة تجذب الميسورين بل حاجة حيوية عند المعوزين تعينهم على تحصيل لقمة عيش صعبة لا تنفكّ تركض أمامهم ويلاحقونها على دواليب ثلاثة. وما أبعد الأمس عن اليوم.

 

“بجاج” هندي

 

في محيط مدينة بيروت وضواحيها لا يزال حضور الـ”توك توك” خجولاً وتثير الدهشة أينما وجدت. هنا تستخدم غالباً لأغراض الدليفري، فصاحب سوبرماركت شعيا في منطقة المنصورية المتنية ولدت لديه الفكرة قبل الأزمة لأنها مفيدة لمصلحته، فالعربة الصغيرة هذه يمكنها أن تتسع لأحمال لا تقوى عليها الدراجة النارية الصغيرة. وهي ممتازة لقوارير الغاز وغالونات المياه الكبيرة ومصروفها قليل وصيانتها غير مكلفة. في 2018 كان يجب شراء الـ”توك توك او “البجاج” كما هو معروف في اللغة الهندية من شركة أبو خاطر إذ لم يكن المستعمل متوافراً. وهي صناعة هندية بامتياز كما يخبرنا نيكولا الدهني مدير المبيعات في شركة Anb Motors الوكلاء الحصريون لهذا النوع من الآليات في لبنان. وتصل الـ”بجاج” الى لبنان مفككة ويتم تجميعها وتركيب الشادر او الهيكل الخارجي لها هنا، ما يخلق فرص عمل إضافية داخل الشركة المختصة اصلاً ببيع الدراجات النارية.

 

سعر الـ”توك توك” حالياً 2400$ والشركة تؤمن قطع الغيار والصيانة بأسعار مقبولة كون القطع هندية الصنع، ولديها وكلاء محلّيون في طرابلس والبقاع حيث تتركز النسبة الأكبر من عمليات البيع. في العام 2013 بدأت الشركة استيراد “البجاج” وكان الطلب متواضعاً جداً عليها ولا سيما من المنتجعات السياحية، ولكن في العام 2020 مع اشتداد الأزمة الاقتصادية ارتفع الإقبال على شراء الـ”توك توك” بشكل كثيف جداً، وارتفعت المبيعات أكثر من 100% بعدما صارت متعددة الاستعمالات، يستفيد منها صاحبها في التنقل بكلفة مقبولة جداً تغنيه عن السيارة او في نقل الركاب أو تأمين خدمة الدليفري، أو حتى تحويلها الى محل لبيع القهوة أو السندويشات بعد إجراء بعض التعديلات عليها، بحيث تؤمن للأسرة مورد رزق لا بأس به وبكلفة قليلة. ويأتي هذا الارتفاع في مبيع الـ”توك توك” بالتوازي مع انخفاض مأسوي في مبيع السيارات الجديدة التي تراجعت نسبته 96,7%عام 2020، بعد انخفاض بلغ 49,89% في العام 2019.

 

ملكة التوفير

 

من مدير المبيعات كما من اصحاب الـ”توك توك” نتأكد من أن هذه الآلية الصغيرة تسجّل في مصلحة تسجيل السيارات على انها دراجة نارية وتستحصل على رخصة ولوحة على هذا الأساس. ويتم إخضاعها للمعاينة الميكانيكية مع الدراجات النارية وتدفع رسوم ميكانيك تقارب 600 ألف ليرة إذا كانت جديدة لتنخفض بعدها سنوياً. الـ”توك توك” ملكة التوفير فمصروفها أقل بحوالى 70% من مصروف السيارة، إذ يمكنها أن تسير، بحسب ما يقول نيكولا الدهني، بين 650 و750 كلم في التنكة الواحدة على الطرقات المستوية و600 كم أو أقل على الطرقات الجبلية، بسرعة تتراوح بين 50 الى 70 كم بالساعة وفق حمولتها وصعوبة الطرقات. وهي متوافرة بموديل واحد وألوان عديدة.

 

حتى اليوم معظم الـ «توك توك» يتم شراؤها جديدة من الشركة إذ إن سوق مبيع الآليات المستعملة منها محصور، وبحسب إحصاءات الشركة ووكلائها في المناطق فإن 80% من آليات الـ”توك توك” تباع في منطقة البقاع ولا سيما الأوسط، و10% في طرابلس والباقي في المناطق.

 

بيروت لا تزال غائبة عن حركة الـ”توك توك”، لا لكونها تتمتع بمستوى معيشة أعلى من سواها من المناطق، فلبنان كله صار سواسية في القلة والعوز، بل لأن شوارع بيروت الضيقة وأزقتها والزحمة فيها تعرقل حركة الـ”توك توك”، وتترك المجال أكثر للدراجات النارية التي تبقى قيادتها اكثر سهولة، وفق ما يخبرنا أمين شعيا الذي يقول ان قيادة الـ”توك توك” أقرب الى السيارة منها الى الدراجة النارية، لا سيما في ما خص التنبه الى المرايا وتغيير السرعة وغيرها.

 

منافسة غير عادلة

 

بعد هذه المعلومات كان لا بد من التوجه بقاعاً للوقوف على حركة الـ”توك توك” هناك. بداية سألنا رئيس بلدية شتورا السيد نقولا عاصي عن واقعها في المنطقة التي تعتبر القلب النابض للبقاع الأوسط، لنفاجأ بأن شتورا خالية تماماً من الـ”توك توك” لكن المناطق المجاورة مثل بر الياس وتعلبايا وسعدنايل، أي المناطق التي تضم مخيمات كبيرة للاجئين السوريين تعج بهذه الآليات ومعظم الذين يستخدمونها هم من السوريين. لكن السؤال الذي يطرح هنا هل باتت هذه الآليات تستخدم بدل سيارات التاكسي لنقل الركاب؟ وهل بات أصحابها يستعملونها لكسب لقمة عيشهم عن طريق تشغيلها كنمرة حمراء؟ في الحقيقة اثار هذا الأمر لغطاً كبيراً مؤخراً أدى الى إشكال على الأرض حيث عمد بعض سائقي الفانات الى إقفال الطريق قرب بر الياس، مطالبين الجهات المسؤولة بمنع هذه الآليات من العمل كتاكسي ونقل الركاب حتى لا تعمل على مزاحمة الفانات التي تحمل اللوحات الحمراء. ويقال إن رئيس اتحاد نقابات قطاع النقل البري بسام طليس تشاور مع محافظ البقاع في هذا الشأن، وإنه قد صدر قرار يمنع سير الـ”توك توك” على الخط العام ومنعها من نقل الركاب وبتغريم كل من ينقل الركاب بواسطتها.

 

السوريون أسياد الـ”توك توك”

 

السيد وسام عراجي صاحب شركة البركة للـ”توك توك” في بر الياس يخبرنا أنه شخصياً يؤيد منع هذه الآليات من نقل الركاب والعمل كتاكسي، لأن في الأمر ظلماً واضحاً في حق اصحاب الفانات الذين دفعوا ثمن اللوحة الحمراء مبالغ طائلة، ولكن هذا لا يمنع من حدوث بعض الخروقات. ويقول انه يملك في شركته أكثر من عشرين “توك توك” تعمل ضمن بر الياس حصراً، ومعظم سائقيها من السوريين لكنه يستخدمها لأعمال الدليفري ونقل الطلاب والصغار، وهو متعاقد مع أكثر من فرن ومصبغة لاستخدام آلياته في عملهم. ويؤكد عراجي ان في منطقة بر الياس ومحيطها اي سعدنايل وتعلبايا والمجدل والمرج أكثر من 280 “توك توك”، يعمل على 80% منها سائقون سوريون يؤمنون النقل داخل المخيمات وفي محيطها. لكن لا يحق للسوريين امتلاك الآلية بشكل رسمي إلا إذا كانوا يملكون أوراقاً رسمية وحاصلين على رخصة قيادة (درّاجة نارية)، لكن الزعبرة دائماً ممكنة. في البقاع وكيل حصري لشركة بو خاطر يتولى بيع هذه الآليات في المنطقة بالسعر المعتمد من الشركة. لكن عدا عن سعرها تكلف الـ”توك توك” ما بين النمرة والدفتر والتأمين ضد الغير والتأمين الإلزامي حوالى 850 ألف ليرة.

 

ومؤخراً، ومع اشتداد الأزمة الاقتصادية، يقول عراجي: بدأنا نرى اشخاصاً لبنانيين يقودون الـ”تكاتك” ويستخدمونها كمصدر رزق يعتاشون منه مباشرة، أو يقومون بتأجيرها لسواهم لقاء مردود شهري أو يومي. وتتراوح يومية الآلية بين 30 ألفاً و70 ألف ليرة في أفضل الأحوال، وهذا ما يسمح لرب العائلة أن يسدّ بعضاً من متطلبات عائلته.

 

“نينجا توك توك”

 

“نينجا توك توك” هو اسم الدلع لإحدى هذه الآليات الصغيرة التي تضمها شركة البركة والتي بات مألوفاً رؤيتها على طرقات المنطقة الداخلية والعامة. وبالنسبة لعراجي انطلاقة هذا البزنس جاءت عن حاجة بعدما وجد أن راتبه كموظف أمضى 29 عاماً في الوظيفة لم يعد يساوي شيئاً، فعمد الى بيع أونصة ذهب كان يمتلكها لشراء أول “توك توك” له. وبعدها صار يعرض على رفاقه الذين يشترون الآليات بأن يقوم بتشغيلها لهم مقابل مبلغ يومي مقطوع، وهكذا أخذ يتوسع ويشتري المزيد من الآليات ويشغلها في اعمال مختلفة. ويقول عراجي انه بدءاً من شهر ايار 2020 سترت الـ”توك توك” الكثير من العائلات البقاعية، فلولاها لكان الجوع ضرب أطنابه في المنطقة.

 

لكن على الرغم من نجاح عمله يبقى عراجي متوتراً خائفاً من حوادث او أضرار قد تحصل، لكنه يدرك في المقابل ان الـ”توك توك” فرَجَت الناس وشكّلت فرحة للصغار ونعمة للطلاب المجبرين على الانتقال الى معاهدهم تحضيراً للامتحانات. ويقول: بدأ اللبناني يتقبل فكرة الـ”توك توك” ويرى فيها إمكانات مالية لا بأس بها وبدأ بعض الآباء يشترونها ليعمل أولادهم عليها.

 

ما كنا نراه Exotic في رحلاتنا السياحية أيام العز صار واقعاً مفروضاً علينا يذكرنا بما آلت إليه حالنا.