يتحرك الرئيس المكلف سعد الحريري وكأنه مستعجل لتشكيل ما تسمى «حكومة العهد الأولى»، لكن الأسباب الإقليمية الكثيرة تجعله يراوح مكانه، ومعه يبقى البلد في حالة انتظار
في كل مرة تتأزم مشكلة تأليف الحكومة، يصبح الكلام عن الأوضاع الإقليمية وتأثيراتها مبرراً أكثر فأكثر. وهذا ما حصل في كل محطات تشكيل الحكومات السابقة، وآخرها تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام والظروف التي أدت الى ولادتها في لحظة إقليمية مناسبة، بعد تأخير قارب 11 شهراً.
ليس مرسوم التجنيس ولا توزيع الحصص هما اللذان يعرقلان صدور التشكيلة، فيما كان الكلام عند تكليف الرئيس سعد الحريري أن الحكومة ستكون سريعة وقبل عيد الفطر. لكن ما حصل أن لبنان دخل في إجازة الفطر مبكراً، وقبل أسبوع من موعد العيد، وبات تأخير الولادة الحكومية بحكم الأمر الواقع، فلا تجد قراءة السياسيين المتابعين أسباباً وذرائع لها سوى المشهد الإقليمي.
سعودياً، عاد الحريري الى بيروت بخمول مطلق، من دون أن تبدو عليه علامات الاستعجال للتشكيل، وخصوصاً أنه لا يعاني أزمة مصيرية تفرض عليه تسريع خطى التأليف، كونه لا يزال رئيساً لحكومة تصريف الأعمال ولا ينتظر في بيت الوسط مرسوم التكليف. لكنه يتصرف ويفاوض وكأن الحكومة على الأبواب، يعرض حقائب وسيناريوات شبيهة بالحكومة الحالية، وهو يدرك أن مفتاح الحكومة ليس في يده. فهو عاد من السعودية، التي تعيد تحريك اتصالاتها مع القيادات اللبنانية، ولا يحمل في جيبه خريطة طريق واضحة، في انتظار محصلة الاتصالات السعودية، فيبنى على الشيء مقتضاه.
بخلاف تصرف الحريري، يستعجل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس المجلس النيابي نبيه بري وحزب الله، عملية التأليف. فعون يراهن على هذه الحكومة لأنها بالنسبة إليه الأولى فعلياً في عهده، بعدما أدت حكومة الانتخابات مهمتها. وبات في السنة الثانية للعهد يحتاج الى اندفاعة قوية، بعد إرباكات وعثرات متتالية، تعوّم العهد وهو يتعرض لحملة انتقادات قوية، بدأت تأكل من رصيده، رغم كل محاولات تبريرها. يريد عون وفريقه حكومة سريعة تترجم عملياً مشاريع هذا الفريق في الملفات النفطية والكهربائية، قبل أن يريدها حكومة قوية تواكب مجلس نواب جديداً، وإطلاق دينامية تشريعية وتنفيذية، وخططاً مالية واقتصادية لا تزال حبراً على ورق، وآمالاً بترجمة نتائج مؤتمرات دعم لبنان مالياً. وكلما تأخر تشكيل الحكومة، تضاعفت هموم العهد ومستحقاته، لأن حجم المعارضة يكبر أكثر فأكثر في وجهه. ويبدو فريقه أكثر استعجالاً من أي فريق آخر، رغم أن أداء وزرائه لا يتماشى مع مفهوم تصريف الأعمال، فيعملون وكأن الحكومة غير مستقيلة.
بين قراءة حزب الله للوضع الإقليمي وإصرار العهد على حكومة سريعة، تراوح عملية التأليف مكانها
وإذا كان الرئيس بري يربط السرعة في التأليف باستحقاقات داهمة، أبرزها اقتصادية ومالية، فإن أسباب حزب الله لتسريع التأليف تصب في منحى آخر، إذ لا تجد روزنامة الحزب الإقليمية سوى محطات مصيرية ترخي بظلها على الوضع العام الذي يعنى به الحزب إقليمياً: إعادة فرز نتائج الانتخابات النيابية في العراق ودور زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، ردود الفعل التي رافقت الانفجار الذي وقع في مدينة الصدر، وضع القوات الروسية في سوريا وما حصل في موضوع انتشارها على الحدود مع لبنان، والضغط الإسرائيلي – الأميركي المتصاعد ضد إيران والحزب، مع الخشية المتزايدة من تصاعد حدة المواجهات في الضفة والقطاع عشية يوم القدس العالمي. كل ذلك، يشكل عوامل ضاغطة تفترض تسريع ولادة الحكومة، علماً بأن المشهد الإقليمي كله في المنطقة يعيش حالة غليان، ومتغيرات تعكس خطورة ما تقبل عليه المنطقة، من مصر وحكومتها المعلقة، الى الأردن والتظاهرات الاحتجاجية. ولا يظهر الأفرقاء السياسيون في لبنان، بخلاف حزب الله، على إدراك لحجم وخطورة ما يجري إقليمياً. فما دار من نقاشات حول مرسوم التجنيس والخلاف على توزيع الحقائب وتهريب المحروقات الى سوريا، وقبلها عن استقالة نادر الحريري وفوضى نتائج الانتخابات، أغرقت البلاد في أزمات داخلية صرف، كاشفة عمق الاهتراء الداخلي والفساد المستشري، من دون أن تعطي لمحة صغيرة عن حجم المسؤولية في التعاطي مع تحديات المنطقة بما يستوجب.
بين قراءة حزب الله للوضع الإقليمي وإصرار العهد على حكومة سريعة، وبين عيد الفطر والمونديال، تراوح عملية التأليف مكانها. فالحريري لم يمد يده فعلياً بعد لملاقاة الطرفين، هو ومن خلفه، من دون أن يفتعل أي مشكلة أو يضطر الى المواجهة المباشرة. من يعرف السعوديين جيداً، يعرف بأنهم ينتظرون حتى اللحظات الأخيرة ليقولوا كلمتهم. ومهما كان الحريري ميالاً إلى أن يقلع بحكومته الثالثة سريعاً، وأن يتفادى أي صدام مع أي طرف داخلي، سواء كان رئيس الجمهورية أو حزب الله، أو حتى السعوديين أنفسهم، فانه لا يزال ينتظر هذه الكلمة. وإلى أن يقولها السعوديون، سينتظر اللبنانيون معه.