تونس التي فتحت طريق الربيع العربي عام ٢٠١١ قدمت اليوم درساً مهماً في الخروج من الاستثناء العربي للعودة الى القاعدة: الاستعصاء الديمقراطي ليس قدر العرب. لا لانتخابات ال ٩٩،٩٩%. ولا للاستفتاء على مرشح وحيد يسمّى انتخاباً لمجرد السماح لمن ليس لهم أي حظ بمنافسته حفاظاً على الشكل في تعددية الترشح. ففي الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية كان زحام المرشحين من شخصيات لها وزنها نوعا من ردّ الفعل على مهزلة الانتخابات في الماضي. وفي الدورة الثانية التي أديرت على الطريقة الفرنسية كان المتنافسان شخصيتين قويتين: الرئيس المنتهية ولايته المنصف المرزوقي، ورئيس حزب نداء تونس الباجي قائد السبسي.
كان من الصعب ان يربح المرزوقي، مع انه كان ناشطاً ومعارضاً لبن علي ومدافعاً عن حقوق الانسان. وأصبح أول رئيس بعد الثورة بالتفاهم مع حركة النهضة. فهو، برغم علمانيته، كان المرشح غير المعلن لحركة النهضة التي أعطته القسم الأكبر من الأصوات التي نالها وبلغت ٤٤،٣٦%، في حين ان حزب المؤتمر الذي أسسه لم يحصل في الانتخابات النيابية الأخيرة إلاّ على أربعة مقاعد.
وكان من السهل توقع أن يفوز السبسي. فهو زعيم الحزب الذي حصد ٨٦ مقعداً في الانتخابات النيابية. وهو حظي بتأييد علني من أحزاب وجبهات وقوى يسارية وعلمانية ووطنية، بحيث نال ٥٥.٦٨% من الاصوات. وليس أمراً عادياً أن يختار الناخبون لأول رئاسة بعد المرحلة الانتقالية رجلاً في الثامنة والثمانين وحزباً عمره عامان. فما حدث بعد الثورة من ازمات ومخاوف من حكم النهضة جعل الأولوية في نظر الاكثرية لتمكين الدولة بدل التمكين لحكم الاسلام السياسي. وكان الخيار السبسي، وهو من الذين تسلموا مراكز مهمة في حكومات الماضي ورئاسة الحكومة الأولى بعد الثورة والتي أشرفت على الانتخابات النيابية.
لكن المسألة في النهاية ليست شخصاً، برغم أهمية الشخص. والديمقراطية ليست مجرد اجراء انتخابات حرة بل ايضا تأمين ظروف الحياة وتطويرها. ولم تكن قلة حماسة الشباب للمشاركة في الانتخابات سوى تذكير للمرشحين بأن حكومات ما بعد الثورة فشلت في تقديم ما وعدت به. فلا هي تصدت جدياً لأعمق مشكلة قادت الى الثورة، أي البطالة العالية. ولا أوجدت حلولاً للازمة الاقتصادية.
والسؤال هو: هل هناك بالفعل خطر العودة الى الحزب الواحد بعد السيطرة على رئاسة الجمهورية ورئاسة المجلس النيابي، وقريباً رئاسة الحكومة أم ان تونس التي ثارت على بن علي واعترضت على النهضة قادرة على منع العودة الى الأحادية؟
مهما يكن، فان تجربة تونس هي الضوء الديمقراطي في ظلام الاستبداد والتطرف والارهاب، فوق بلدان ما كان الربيع العربي.