IMLebanon

أنفاق ونفاق

 

ما الذي يجعل «حزب الله» يحفر أنفاقا بين لبنان وإسرائيل؟ هل يعتقد ان حربا لبنانية – إسرائيلية يمكن ان تنتهي بانتصار يزيل «الكيان الصهيوني» من الوجود… ام كلّ ما في الامر ان ايران تريد توجيه رسالة الى العالم فحواها ان لبنان ورقة من اوراقها تستطيع استخدامها كما تشاء وكيفما تشاء وان القرار الرقم 1701  الصادر عن مجلس الامن في اعقاب حرب صيف 2006 آخر همّ لديها؟

 

في وقت لا وجود لايّ اهتمام أميركي في لبنان وفي ان يكون ورقة إيرانية ام لا، لا توجد مصلحة لبنانية في الاقدام على على مثل هذه المغامرات، من نوع حفر الانفاق. هذه مغامرات لا تستفيد منها الّا إسرائيل. الدليل على ذلك ان العالم كلّه، على رأسه الولايات المتّحدة، وقف مع دولة تمارس الإرهاب وذلك عبر العمل على تكريس الاحتلال للقدس الشرقية ولجزء كبير من الضفّة الغربية لمجرّد ان حركة مثل «حماس» تستخدم صواريخها بين حين وآخر.

 

لا تشبه انفاق «حزب الله» وصواريخه، وقد شكّك لبنان الرسمي في وجود مثل هذه الانفاق، سوى انفاق «حماس» في غزّة وصواريخها المضحكة – المبكية التي حوّلت الضحية الى جلاد والجلاد الى ضحيّة. ليس مستغربا ان تكون إسرائيل استغلت الانفاق التي اكتشفتها على خطّ وقف الهدنة مع لبنان لتقول للعالم ان لا دولة في لبنان وانّ الدولة الحقيقية هي «حزب الله» الذي ليس سوى لواء في «الحرس الثوري الايراني».

 

ليست الانفاق، بغض النظر عن النفي الرسمي لوجودها، في نهاية المطاف سوى تعبير عن الازمة العميقة التي يمرّ فيها لبنان، حيث لا حكومة منذ سبعة اشهر بسبب رفض سعد الحريري الرضوخ لـ»معايير» وضعها «حزب الله» بلسان امينه العام حسن نصرالله لتشكيل الحكومة وذلك في محاولة واضحة منه لتكريس اعراف جديدة. بعد فرضه رئيس الجمهورية الذي يريده على لبنان، لماذا لا يفرض على اللبنانيين «معاييره» الخاصة بتشكيل الحكومة تتويجا للانقلاب الكبير الذي بدأ باغتيال رفيق الحريري في العام 2005…

 

متى تمعّنا بما يحدث في لبنان حاليا بدءا بتسليط «حزب الله» لمهرّج، يصلح لكلّ الفصول، من مخلفات الاجهزة السورية على الناس، لا يعود هناك مكان للاستغراب. ثمّة خطة مدروسة لتأكيد ان لبنان صار مستعمرة إيرانية وان لا مجال لتشكيل حكومة فيه من دون الاستجابة لما تطلبه ايران. من المهرّج الذي يفلته «حزب الله» لشتم الاوادم في لبنان، الى الانفاق، الى الصواريخ الدقيقة… الى «معايير» تشكيل الحكومة، يريد «حزب الله» ومن خلفه ايران تكريس وضع جديد في لبنان لا اكثر. يريد بكل صراحة ووضوح ان يقطف في 2018 ثمار اغتيال رفيق الحريري في العام 2005 وقبل ذلك التمديد لاميل لحود على الرغم من صدور القرار 1559 عن مجلس الامن التابع للأمم المتّحدة.

 

أدخل الكلام الإسرائيلي عن الأنفاق ومعها الصواريخ الدقيقة لبنان في نفق مظلم طويل سيكون من الصعب عليه الخروج منه. لعل اخطر ما في هذه الانفاق انّها تعكس، في حال وجودها، نوعا من النفاق الذي يبدو البلد في غنى عنه، خصوصا في ظلّ الازمة الاقتصادية العميقة التي يعاني منها، وهي ازمة اقلّ ما يمكن ان توصف به انّ لا سابق لها في تاريخ لبنان الحديث نظرا الى انّها تمسّ القطاع المصرفي. هذا القطاع الذي يبقى، الى اشعار آخر، العمود الفقري للاقتصاد في ظلّ تراجع ايّ اهتمام خليجي بمصير لبنان لاسباب مختلفة يحتاج سردها الى مقال طويل.

 

ما يمكن فهمه من كشف إسرائيل لقضيّة الأنفاق ان لبنان دخل مرحلة جديدة من التصعيد البطيء في وقت لا يمكن لإيران الخروج منتصرة في المواجهة التي تخوضها مع إدارة دونالد ترامب. يعود ذلك بكلّ بساطة الى ان ايران لا تمتلك الموارد الكافية للذهاب في هذه المواجهة الى النهاية، خصوصا اذا اصرّت الادارة الاميركية علي نهجها التصعيدي وفرض مزيد من العقوبات على «الجمهورية الإسلامية».

 

لن تقدّم الصواريخ والانفاق في شيء، كذلك تسليط مهرّج يتقن الابتزازعلى اللبنانيين في محاولة لاستفزاز السنّة والدروز من اهل البلد بعد تحقيق اختراق ايراني كبير لدى المسيحيين.

 

حسنا، لنعد الى التاريخ قليلا. سيطرت المنظمات الفلسطينية على جزء من الأراضي اللبنانية في مرحلة معيّنة. الأكيد ان ذلك لم يكن ليحدث لولا تشجيع النظام السوري لهذا التوجّه الذي كان يخفي رغبة في اشعال الحرائق بغية تسهيل دخول الجيش السوري الى لبنان ووضع اليد على البلد. الآن، بعد مضيّ كلّ هذا الزمن على قيام «جمهورية الفاكهاني»، السعيدة الذكر، ثم الوصاية السورية الكاملة على لبنان ابتداء من تشرين الاوّل – أكتوبر 1990، من المسموح به طرح أسئلة من نوع اين صارت القضيّة الفلسطينية؟ أين صار النظام السوري الذي اضطر الى الانسحاب من لبنان؟ بل اين صارت سوريا نفسها؟

 

الخلاصة، انّ في الإمكان الحاق اضرار كبيرة بلبنان، بل تدميره. هذا ما فعله الفلسطينيون الذين اعتقد قسم من المسلمين السنّة انهم سيحققون عبرهم مكاسب سياسية. هذا ما اعتقده أيضا الزعيم الدرزي الراحل كمال جنبلاط الذي لم يدرك منذ البداية ان رهاناته على الفلسطينيين لكسر المارونية السياسية خاطئة وفي غير مكانها. جاءت كلّ هذه الرهانات لبعض السنّة ولقسم كبير من الدروز في مرحلة لم يكن فيها ايّ وعي مسيحي، باستثناء وعي ريمون ادّه طبعا، لخطورة ما يمثله النظام السوري وطموحات حافظ الأسد الذي اسّس للنكبة السورية الراهنة… ولفكرة انشاء ميليشيات مسلّحة لقتال الفلسطينيين داخل لبنان، في بيروت تحديدا.

 

لماذا يريد «حزب الله» تكرار أخطاء الذين سبقوه في السيطرة على لبنان؟ الأرجح ان ذلك عائد الى انفلات الغرائز المذهبية من جهة وغياب الحسابات الدقيقة من جهة أخرى. تقول هذه الحسابات ان لبنان لا يصلح ورقة إيرانية في المواجهة مع الولايات المتحدة. تقول هذه الحسابات أيضا ان النظام السوري صار في مزبلة التاريخ وانّ احقاده على لبنان واللبنانيين لا يمكن ترجمتها على الأرض، لا عبر وزير من «سنّة حزب الله» ولا عبر مهرّج  مهنته الابتزاز ارتكبه رستم غزالي ويتابع عملية ارتكابه ورعايته «حزب الله».

 

يستطيع «حزب الله» حفر انفاق قدر ما يشاء. يستطيع تطوير صواريخه الى ما لا نهاية. لن يفيد ذلك ايران في شيء. كلّ ما يستطيع عمله هو الحاق مزيد من الخسائر بشيعة لبنان الذين راهن قسم كبير عليه في الماضي. سيكتشف هؤلاء، وان تدريجا، ان لبنان المزدهر هو ملاذهم الوحيد وان لا أكثرية حاكمة في لبنان، بل الجميع اقلّيات. ولكن ما العمل مع حزب تابع لإيران يؤمن بان الانتصار على لبنان وتدميره بديل من الانتصار على إسرائيل…