Site icon IMLebanon

الأنفاق دعوة إلى الحرب لم توافق الأجندة الإسرائيلية

 

 

هل يمكن تحريك الستاتيكو الإقليمي والدولي والتأثير في ميزان القوى القائم من خلال تفعيل الساحة اللبنانية ووضع لبنان على خط الصراع ؟

السؤال ليس جديداً وإنما يُطرح هذه المرة بصيغة مختلفة تناسب المعطى الجديد الذي أُدخل الى الميدان. الأنفاق المكتشفة في الأراضي المحتلة، توقيت اكتشافها والرسائل المترتبة عليها، هوية المرسل وهوية المتلقي  وماهية ردود الفعل، كلها تستدعي تجديد السؤال المطروح دائماً، في ضوء ضيق الخيارات لإحداث متغيّر وازن يحظى باهتمام القوى المعنيّة بالشأن اللبناني. إنّ محاولة الإستفادة من استدامة المظلّة الدوليّة التي ترعى الإستقرار في لبنان وتمنع اختلاله هي دائماً المادة الصالحة للعبث والرهان، أو للتلويح بذلك.

حدث إعلان العدو الإسرائيلي عن اكتشاف مجموعة من الأنفاق العابرة للحدود نحو الأراضي المحتلّة لم يرقَ الى مستوى إثارة إهتمام حزب الله. أعادنا اكتشاف الأنفاق وانتظار ردّة الفعل الى ما جرى في تموز 2006 ، حين بدا أنّ قرار إعلان الحرب الشاملة على لبنان قد اتُّخذ قبل عملية خطف الجنود الإسرائيليين. رئيس وزراء العدو نتنياهو سارع بعد الإعلان عن الأنفاق الى لقاء وزير الخارجية الأميركي، والإعلان عن إطلاق عملية «درع الشمال» داخل الأراضي المحتلّة التي استندت الى تأكيد قائد قوات الأمم المتّحدة المؤقتة في لبنان وجود الأنفاق. إجراءات رئيس الوزراء الإسرائيلي دلّت أنّ قرار الردّ وشكله يصنعان في واشنطن وليس في تل ابيب. بدت عملية الكشف عن الأنفاق وكأنّها دعوة مفتوحة لإسرائيل لبدء الأعمال العسكرية ، والرهان دائماً على العنجهية الإسرائيلية في التعامل مع أي استفزاز. النموذج الذي قفز الى الأذهان هو ما حصل إثر العدوان في  العام 2006 حيث تولى حزب الله مهمة المواجهة وسط ضياع رسمي. خطف جنود العدو ورد حزب الله في حينه، أسقط مناقشة  مسألة سلاح حزب الله من جدول أعمال هيئة الحوار الوطني ليستنكف بعدها أمين عام حزب الله عن حضور اجتماعات الهيئة لدواعٍ أمنية، وليدخل لبنان بعدها في حقبة سياسية وأمنية جديدة، عنوانها تحقيق أمن إسرائيل بمظلّة دوليّة وتصاعد نفوذ إيران في لبنان بما يتّسق مع تمددها في العراق وسوريا وبعض دول الخليج العربي.

أسئلة مشروعة تطرحها مسألة الأنفاق: لماذا لم يقبل العدو الإسرائيلي هذه المرة الدعوة المفتوحة للحرب، في ظلّ اشتداد الضغط الأميركي على إيران؟  وهل يمكن لهذا الرد في حال حصوله أن يكون كافياً لإعادة خلط الأوراق في لبنان بما يجعل التّصدي للعدو الإسرائيلي أولوية مطلقة تتجاوز كل الخلافات ويستوجب تشكيل الحكومة وفقاً لميزان القوى القائم على الساحة اللبنانية حيث الغلبة لحزب الله؟ وهل كان ذلك كافياً لوضع لبنان في الأسر تحت عنوان الدفاع عن إيران من لبنان؟

حادثة الأنفاق تدفعنا لإعادة قراءة العراضة المسلّحة التي حصلت في قرى الشوف بطريقة مختلفة لا سيما لجهة التتابع الزمني. العراضة المسلّحة كانت تستوفي شروط العبث بالإستقرار الوطني وبالتالي لا يمكن فهمها فقط في سياق النزاع على حيّز ريفي في كنف زعامة تاريخية، أو في سياق نزاع  يعيش على الضجيج ويقتات من وجع الناس وفقرهم وسخطهم على طبقة سياسية. إعطاء العراضة المسلّحة هذا البعد يثبته استجارة المطلوب إحضاره بحزب الله والإستثمار فيها بما استدعى رصّ الصفوف واستعراض معسكر الممانعة بكافة تشكّلاته في بيئة أقل ما يُقال فيها أنّها لم تألف الإستفزاز أو هي اعتادت الإنتظار على حافة النهر.

إنّ الرغبة في الإستثمار بالساحة اللبنانية ستشهد تزايداً واضحاً مع تداعي مواقع إيران في سوريا واليمن والعراق واشتداد الأزمة الإقتصادية عليها ومع تقدّم المفاوضات في ستوكهولم وحسم تفاصيل تبادل الأسرى بين الحوثيين والوفد الحكومي ومع نجاح القمّة 39 لمجلس دول مجلس التعاون الخليجي بكامل أعضائه، التي أعادت توحيد الصف الخليجي وأكّدت على تأييد الإستراتيجية الأميركية تجاه إيران وأنشطتها المزعزعة للأمن والإستقرار في المنطقة ودعمها للإرهاب.

نجا لبنان في المرة الأولى لأن وليد جنبلاط لم يُستدرج الى فتنة داخلية ونجا في المرة الثانية لأن نتنياهو لم يقبل دعوة حزب الله الى الحرب.

 

* مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات