ليس بلا دلالة أن يطلب وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في بغداد دعماً دولياً، يمكّن بلاده والعراق من مواجهة حرب «داعش»… على الاعتدال الإيراني. والوزير حلّ في العاصمة العراقية بعد جولة من المفاوضات مع نظيره الأميركي جون كيري، يفترض مبدئياً أنها تناولت فقط استعجال اتفاق يحسم الملف النووي الإيراني. وإذا كان صحيحاً ان الاتفاق حاجة متبادلة لطهران وواشنطن، فالسؤال الذي يثيره طلب ظريف دعماً دولياً لمواجهة «داعش»، مباشرة بعد لقائه كيري في جنيف، يجدد حتماً الجدل حول ربط الصفقة النووية بتعاون أميركي- إيراني في التصدي للتنظيم.
والحرب على «داعش» قد تكون من منظور المصالح، أبرز ساحة تثبت إيران من خلالها نفوذها في العراق، بعد النكسات التي جرّتها حماقة الحكم في بغداد خلال عهد نوري المالكي الذي لم يترك وسيلة إلا وسخّرها لتغذية الأحقاد المذهبية. واليوم، إذ يعترف قادة «الحشد الشعبي» في العراق بأنهم يتلقون التوجيهات من المرشد الأعلى في طهران، علي خامنئي في التصدي لتنظيم «داعش»، يوجّهون في آن سهاماً مسمومة إلى صدقية حكومة حيدر العبادي التي حرصت على تأكيد قرارها المستقل.
ومن منظور المصالح المتبادلة، أن تستجيب واشنطن طلب ظريف الدعم لإيران التي لا يُستبعد أن تفوِّض إليها إدارة الرئيس باراك أوباما إدارة بعض أزمات المنطقة، ما إن يُعلن الجانبان بعد خمسة أسابيع، نهاية «سعيدة» لمفاوضات مريرة استغرقت عقداً من الزمن، وتخللتها مواجهات وضغوط اقتصادية وعسكرية.
بالطبع، يستتبع ذلك رصد تحولات محتملة في العلاقات الروسية – الإيرانية، خصوصاً في غطاء الحماية الذي تقدّمه موسكو وطهران للنظام السوري، وإن كانت «حكمة» التريُّث والتردُّد لدى الرئيس أوباما لا تشجّع على ترقُّب تحوُّلٍ في مسار الحدث السوري. فهل يعني ذلك حصر التفاهم الأميركي- الإيراني بالملف النووي، أم ربحاً صافياً لطهران في الملفات الإقليمية، تنتزعه على الهامش لأن سيد البيت الأبيض يفضّل التفرُّج على قاسم سليماني يدير المعركة في سورية والعراق، بدلاً من إرسال قوات برية أميركية أو نخبة من «المارينز» لمطاردة «داعش» وتفكيك «دولته»؟
لعل أبرز المفارقات التي تطغى على أحوال المنطقة العربية المنكوبة بحروب ودول فاشلة، هي التراشق الأميركي- الروسي بالاتهامات، بالغطرسة والهيمنة والنفاق والكذب، كلٌّ يحمّل غيره مسؤولية أنهار الدم، من ليبيا إلى سورية والعراق واليمن، أو يلوم الأنظمة والميليشيات. وبين هذه وتلك تدّعي السياسة الإيرانية العفّة وطهارة القلب واللسان، ورداء الاعتدال، في زمن تقتنص فيه لحظتها الذهبية، لأن أجيال الإرهاب الصاعدة «سنّية»!
وأخيراً، بعد صمتٍ لشهور، فعلها الوزير كيري إذ اتهم طهران علناً، بدور في إسقاط الحوثيين الشرعية اليمنية وابتلاعهم مؤسسات الدولة في صنعاء. وهو استدرك بحياء أن الإيرانيين بوغتوا ويريدون الحوار في اليمن، كأنهم لم يطلبوا من عبدالملك الحوثي الذهاب إلى هذا الحد، واستباحة الدولة واحتجاز الرئيس ووزراء الحكومة، على طريقة أفلام رعاة البقر.
هم رعاة «الثورة» الجديدة التي باركها الحكم الإيراني محتفلاً بامتداد نفوذه إلى البحر الأحمر، ومصفقاً فوق رؤوس الجميع إذ هبّ كعادته «لنجدة اليمن» الكئيب بعدما «أنقذ» لبنان والعراق وسورية من الإرهابيين. وتلك ليست ديباجة للسخرية، بل كرّرها قادة النظام الإيراني، في حفلة تضليل لم يشهد العالم مثلها منذ ذروة الحرب الباردة.
المرشد في أفضل حال، أوباما ما زال يفكر ويتأمّل في أفضل استراتيجيا ممكنة يعتمدها في ما بقي من أيامه الصعبة في البيت الأبيض. خامنئي لا يقلقه، الكابوس هو «شغب» الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي أهدى الرئيس الأميركي نزع السلاح الكيماوي السوري، وانتزع حلم أوكرانيا بالقطار الأوروبي، وحلم أوباما بمزيد من… التأمل.
بين المشاغب و «الحكيم»، لا تلهو إيران في الحقبة العربية المظلمة.