IMLebanon

تركيا..

انتهت عملية «درع الفرات» عند الحدود التي وصلت إليها في الشمال السوري، لكن لم ينتهِ دور تركيا.. وليس من الحصافة في شيء تمنّي ذلك! لا من زاوية «المصلحة العربية والإسلامية العليا»، ولا من زاوية نكبة السوريين المستفحلة، ولا من زاوية موازين القوى الراهنة وخصوصاً (جداً) إزاء الدور الإيراني.. ولا من زاوية المنطق وشروطه وأحكامه!

معروف سلفاً، أنّ كثيرين «يعتنقون» آراء سلبية جاهزة حيال تركيا ودورها الإقليمي. وحيال كثرة المناورات المنخرطة فيها. وحيال العلاقات التي تشبكها مع بعض جماعات الإسلام السياسي في المنطقة العربية (وخارجها).. لكن ذلك في جملته، يُفترض أن لا يغيّر «الحكم الأخير» القائل بأنّ تركيا ليست «مشكلة» العرب والمسلمين في هذه الأيام وإنما إيران! وقبلها وبعدها إسرائيل. وثالثهما الإرهاب. وإن رجب طيب اردوغان ليس «القضية» المتفجرة في وجه السوريين وغيرهم وإنما بشار الأسد! وإن الدور الذي تلعبه هذه الدولة الأوراسية (جغرافياً) كلّفها الكثير من كيسها المباشر ولم تستفد في المقابل بما يوازي تلك الأكلاف! مثلما أنها في الاساس لم تفتعل مشروعاً عابراً للحدود ولم تفترض الفتن والبلايا والإرهاب طرقاً سليمة لتحقيقه! ولم تُخرج بهرجتها العثمانية الخاصة بها الى خارج حدودها وأقوامها! ولم يسمع أحدٌ، على ما هو بيّن وواضح وضوح الشمس، انها صدّرت موروثها القومي الى غيرها بالقوة! وحاولت الفتك بالاستقرار الاجتماعي والأمني في جوارها، كي تفرضه أينما أمكنها ذلك!

في حدود المعروف والمعلن، أن تركيا رجب طيب أردوغان، عكست وجهة سياستها الرسمية باتجاه مخالف تماماً لكل تراثها المديد في قضية النزاع العربي – الاسرائيلي! وتمكنت من الاصطفاف الى جانب العرب وليس أمامهم ولا خلفهم ولا المزايدة عليهم! ولا إعطاءهم دروساً، لا في الدين ولا في الدنيا. ولا في التكتيك ولا في الاستراتيجيا.. بل فعلت تماماً ما يتناسق ويتناسب مع رؤيتها المستجدة، المبنية في جزء منها (رئيسي في كل حال) على مدوّنة الحق والجور والصحّ والغلط انطلاقاً من النص الديني!

على حساب مصالحها، ركّبت سياستها بالابتعاد عن إسرائيل والاقتراب من العرب. وراحت بعيداً في تظهير، ذلك حتى أخذ عليها كثيرون شبهة التجارة في السياسة لكن من دون تقديم أي حجّة تدعم ذلك! بل الحاصل الفاصل، هو أن تركيا أردوغان، دفعت ولا تزال تدفع أثمان تعديلها ذلك المسار. ثم نجاحها في «الاختبار العام» الذي أوصلها بكل المقاييس الحديثة والحداثية الى مصاف الدول الناجحة في أوروبا وشرق آسيا..

هناك حدّة (غير مفهومة أحياناً) في لغة الخطاب السياسي الأردوغاني، وخصوصاً في الشطط التوصيفي الذي يُرمى على الديموقراطيات الأوروبية.. لكن في المقابل هناك مذبحة فظيعة تُرتكب في سوريا وبحق شعب تام بأمّه وأبيه، ولا ترى، مراكز ومصانع القرار في أوروبا، ومعها الولايات المتحدة أيام السيئ الذكر باراك أوباما، شيئاً يستحق التركيز عليه أكثر من «نيّات» رجب طيب أردوغان «الشرّيرة» التي يدفع من خلالها الى تبنّي النظام الرئاسي! وكيف؟ بالاستفتاء الشعبي المباشر!

بشار الأسد يقتل ويشرّد ويعربد ويرتكب كل معصية ممكنة وغير ممكنة في تاريخ البشر، وفي حق البشر،! وبعض أوروبا مشغول بنيّات أردوغان! وإيران شاغلة الدنيا وشعوب المنطقة العربية والإسلامية بمشاريعها وأدواتها وبلاويها، وبعض أوروبا مشغول بتصريح ناري من هنا أو هناك لرجب طيب أردوغان أو لأحد المسؤولين في بلده!

ترف في غير مكانه وزمانه، أن يتجاهل أي عربي في هذه الأيام، مدوّنة المحن التي تطحنه طحناً ولا يرى أمامه سوى وهم «الخطر التركي»، وان يتجاهل مشروع ولاية الفقيه الحقيقي والملموس، في مقابل اللغو بوهم «المشروع العثماني»..

في هذه السيرة التي تطول، الكثير من المقاربات والمقارنات، لكن يختصرها معطى مبدئي واحد: يكفي أن يكون بشار الأسد ضد أردوغان كي يكون الزعيم التركي على حق!

ويكفي أن يكون «هذا العالم» ضده كي يكون على حق! والباقي تفاصيل..