شرّ البلية ما يضحك… فالمضحك المبكي في الوقت نفسه ما أعلنه الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان، من أن تدخّل مصر في ليبيا عمل غير شرعي، وأنّ حكومته ستوقع اتفاقية جديدة مع حكومة «الوفاق» الليبية برئاسة فايز السراج، تحت مظلة الأمم المتحدة، وذلك بعد مذكرة التفاهم في مجالي التعاون العسكري والأمني والتي وقعها الجانبان في تشرين الثاني عام 2019.
ولم يكتفِ أردوغان بهذه الحجة، بل ذهب الى حدّ التأكيد على أنّ الخطوات التي تتخذها مصر، تظهر إنخراطها في مسارٍ غير شرعي، من خلال وقوفها الى جانب حفتر والجيش الليبي غير الشرعي (على حد قوله).
إزاء هذا الموقف، لا بدّ لنا من الردّ على أردوغان بالقول:
أولاً: ليبيا بلد عربي، شاء أردوغان أم أبى، ومصر بلد عربي، إضافة الى أنّ ليبيا ومصر جارتان متماثلتان في الدين والعرق والعروبة، في حين أنّ الأتراك العثمانيين ليسوا عرباً. ونذكّر الرئيس التركي بالحكم العثماني الذي كان أسوأ نوع من الاستعمار، جعلت البلدان التي خضعت للاستعمار التركي من أكثر دول العالم تخلّفاً. لقد رزحت هذه البلدان تحت وطأة ظلم قاسٍ وَحُرِمتْ شعوبها من العلم والمعرفة ليرزح أبناء هذه البلدان تحت نير استعمار غاشم أغرق الشعوب المغلوبة بالجهل والفقر والحرمان.
ثانياً: يُقال في أمثالنا: «الأقربون أولى بالمعروف»، فمصر وليبيا توحّدهما رؤى واحدة وتطلعات مشتركة، وتعيشان تاريخاً مشتركاً واحداً، وهما في بقعة جغرافية متماثلة…
هذا كله يجعل ليبيا بحاجة الى مصر، لا الى مستعمر عثماني جديد، يحمل مشروعاً دينياً متخلّفاً، أسقطته مصر وتخلصت منه. فالمصريون والعرب لم ينسوا أنّ «الإخوان المسلمين» في مصر، استغلوا الثورة الشعبية فركبوا «الموجة» وانقضوا على الحكم، لكن الشعب المصري كشف نواياهم فأسقطهم وأسقط حلمهم في تولي الحكم.
وهنا أتذكر يوم ذهب أردوغان الى مصر إبّان حكم محمد مرسي، كيف أنهى زيارة مرسي سريعاً، فاكتفى بربع ساعة فقط، ليجتمع بعد ذلك مع المرشد الأعلى لـ»الإخوان» في مصر لمدة طويلة، ما يؤكد أنّ مرسي كان مجرّد صورة، لا قيمة حقيقية له.
ثالثاً: شرعية القبائل الليبية، أهم من شرعية الحكومة الليبية التي انتخبت فسلّمت الحكم الى الإخوان المسلمين في تركيا… إذ كيف دخلت تركيا الى ليبيا، التي تبعد عنها أربعة آلاف كلم؟ فالجواب معروف، فإنّ تركيا لا تستطيع الوصول الى ليبيا إلاّ بالسفن البحرية، فالبلدان يقعان على ساحل البحر الأبيض المتوسط وقد يكون الوصول أيضاً عبر الطائرات الحربية المحمّلة بالجنود والعتاد، في حين أنّ الحدود المصرية – الليبية حدود برّية. وهناك عدد كبير من المصريين يعملون في ليبيا، فليبيا تعتمد بشكل أساسي على اليد العاملة المصرية.
كما ان نسبة التزاوج بين المصريين والليبيين مرتفعة جداً، والمصريون يعتبرون ليبيا امتداداً لهم، والشعب الليبي تجمعه بالشعب المصري وشائج قربى وعادات مشتركة.
هذا الأمر يبدو جليّاً لكل إنسان عاقل، لقد كنت أردد دائماً، ومنذ بداية الثورة الشعبية ضد الرئيس القذافي أنّ على الرئيس السيسي دخول ليبيا وتحرير الليبيين من المسلحين الخارجين على القانون، ومن الإرهاب الذي استفحل في ليبيا، خصوصاً بعدما سمعت من أحد السفراء أنّ معمّر القذافي ترك ما بين 18 مليون و25 مليون قطعة سلاح مع أفراد الشعب الليبي.
أخيراً، نقول للرئيس أردوغان: «إنّ مشروعك الجديد، وحلمك بعودة مشروع الامبراطورية العثمانية، مشروع فاشل فاشل، أكل الدهر عليه وشرب.
عوني الكعكي