Site icon IMLebanon

فِكرت يوكان لـ«الجمهورية»: تركيا عقبة في وجه مخططات أُعدّت للشرق الأوسط

على رغم أنّ «قيصر» روسيا الاتّحادية كان ينتظر في قرارةِ نفسِه مبادرةً مِن «سلطان» تركيا، إلّا أنّ ردّ المتحدّث باسم الكرملين دميتري بيسكوف جاء بارداً بعض الشيء، معتبراً أنّ رسالة الرئيس التركي رجَب طيّب أردوغان إلى نظيره الروسي فلاديمير بوتين بمناسبة اليوم الوطني الروسي هي «محض بروتوكولية، ولم تتضمّن أيّ نقاط جوهرية». فموسكو واضحة في موقفها ولن تقبلَ بأقلّ مِن اعتذار. وبالتالي تحقيق اختراق في العلاقات الروسية – التركية لن يكون بالمهمّة السهلة على رئيس حكومة أنقرة بن علي يلديريم، «رَجل التسامح والتفاهم»، وفقَ ما يؤكّد لـ»الجمهورية» الدكتور فِكرَت يوكان، المستشار الخاص السابق لرئيس الحكومة السابق أحمد داوود أوغلو.

يضع المستشار السابق لداوود أوغلو رسالة الرئيس التركي إلى نظيره الروسي في «سياق المُجاملة الدبلوماسية»، ولا يعتبرها أكثر من «بادرة حسنِ نيّة». ويستعيد يوكان في مقابلة مع «الجمهورية» التي التقَته في أنقرة أيامَ العزّ بين أنقرة وموسكو.

ويقول: «كنّا نتعاون كشرَكاء… ففي حين كانت الشركات التركية تتابع عملها في روسيا، كان الروس يأتون الى تركيا للسياحة. الوضع السوري خلقَ مشكلة في علاقاتنا الثنائية».

مشكلةٌ يقرّ يوكان بصعوبة حلّها، ويجدّد تأكيده أنّ ما قام به «الجيش التركي لناحية إسقاط الطائرة الروسية في 24 تشرين الثاني الماضي قرب الحدود السورية، تمَّ وفقَ قواعد الاشتباك، وهو ما كان يجب القيام به بعد اختراق مجالنا الجوّي».

ويشدّد على «أنّ ما جرى هو قرار عسكري بَحت نتيجة حدوث الانتهاك، وبالتالي ينبغي أن تتفهّمه الحكومة الروسية».

وإذ يؤكّد بأنّ الشعب التركي هو شعبٌ صديق للشعب الروسي، يرى أنّ إعادة العلاقات بين البلدين إلى سابق عهدها يحتاج وقتاً، والتصريحات التي أدلى بها الطرفان لا يمكن نسيانها بسهولة. لكن سيأتي وقتٌ يجلس فيه سياسيّو البلدين لبحثِ إعادة العمل والتعاون معاً، ووجود شخصية مِثل يلديرم من دعاة «التسامح والتفاهم» قد تساهم في حَلحلة الأمور، من دون أن يعنيَ ذلك أنّ سَلفه كان بخِلافه، ولكن لا يجب أن يفسّر ما حدث مع الطائرة الروسية بأنّه أكثر مِن «قرار عسكري».

داوود أوغلو يعود إلى التدريس

ويبرّر يوكان استبدالَ داوود أوغلو بيلديرم، برغبةِ الرئيس التركي بتغيير طواقم حزب «العدالة والتنمية». ويقول: «حان الوقت للتغيير…الناس يأتون ويذهبون. هذا أمرٌ طبيعي».

وإذ ينوّه بمناقبية داوود أوغلو ونجاحِه، يشير إلى أنّ رئيس الحكومة السابق سيتفرّغ إلى مهنة التدريس في المرحلة المقلبة، ويَلفت إلى أنّه على رغم كونِه مستشاراً لإردوغان وصديقاً له، إلّا أنّ داوود أوغلو في بعض الأحيان «لم يكن بالخطّ نفسِه مع الحزب».

ويقول: «لم يكن داوود أوغلو سريعاً كفاية… لا شكّ في أنّه كان لديه دور كبير في القرارات في سوريا، ربّما لم يكن ديناميكياً كما يجب بشكل يلبّي طموحات وتوقّعات الحزب الحاكم».

معايير أوروبا المزدوجة

في الوقت عينه، يذكّر يوكان بأنّ الاتفاق بشأن الهجرة مع الاتّحاد الأوروبي كان يتضمّن وعداً بدخول المواطنين الأتراك إليها من دون فيزا، لكنّ البنود التي اشترَطها الأوروبيون، ولا سيّما لجهة تغيير التشريع المتعلّق بقانون الإرهاب في تركيا، تبدو غيرَ واقعية.

ويعزو يوكان سببَ استقالة رئيس بعثة الاتّحاد الأوروبي لدى تركيا، الألماني هانسيورغ هابر، إلى تفَوّهِ الأخير بكلمات «أساءَت بحدّة إلى الرأي العام التركي». ويقول: «إنّ ردّة فِعل هاربر يمكن تفسيرُها بأنّه شعرَ بعدم قدرته على متابعة عمله في تركيا».

ويَستغرب أنّه «في وقتٍ تتعرّض فيه تركيا إلى أعمال إرهابية، كيف ينتظرون منّا تغييرَ طريقتنا للقضاء على الإرهاب، لقد أظهرنا تسامحَنا منذ ثلاث سنوات، في وقتٍ كانت التفجيرات تُطاول العديدَ مِن مدننا. لقد عانَينا الكثير وقدّمنا الكثير من الشهداء».

ويشدّد على أنّه «لا يمكن السَماح لمنظمة إرهابية باحتلال جزء من بلدنا، لا يمكن القبول بسلطتين في بلد، الغربيون لا يفهمون موقفَنا، عندما تنفجر قنبلة في باريس أو بروكسل نراهم مصدومين ويبدأون في زيادة تعزيز الإجراءات الأمنية،

ويقف زعماء العالم كلّهم إلى جانبهم، أمّا نحن الذين تعرَّضنا لتفجيرات عدة في اسطنبول وأنقرة، لم يهتمّوا لأمرنا». عدمُ اكتراثٍ لا يَرقى حسب يوكان إلى حدّ وصفِه بـ»المؤامرة الغربية» ضد تركيا بل مجرّد «أنانية». ويقول: «لديهم ازدواجية معايير في التعامل مع الإرهاب، كأنّهم يقولون إنّ الإرهابيين في تركيا جيّدون والإرهابيين الذين يؤذوننا في أوروبا غير جيّدين».

ويتابع: «يطلبون إلينا أن لا نمارس القسوة ضد الإرهابيين، فعوضَ أن يتعاونوا معنا نَجدهم يرتدون لباسَ قوات «حزب الاتّحاد الديموقراطي» الكردي في سوريا، المرتبط بحزبِ «العمّال الكردستاني» في تركيا، بذريعة محاربتهما تنظيم داعش»، مُبدِياً دهشتَه بالشرح الذي قدّمته واشنطن عن أسباب ارتداء جنودها لبِزات الأكراد.

وفي ظلّ القلق الذي يثيره أكراد سوريا، ونيّتهم إعلان حكم ذاتي مستقلّ في المناطق الكردية السورية الشمالية الممتدّة على طول الحدود الجنوبية التركية، يقول يوكان: «نحن نحارب داعش، وعلى الأميركيين التعاون معنا، تركيا دولة قوية جداً، إقتصادُها ليس مثلَ ألمانيا، وتكنولوجياً هي ليست مِثل الولايات المتحدة، لكنّها لا تعرف مصدرَ قوّتها».

ويلفت إلى أنّ قوّة تركيا الخفية شكّلت عقبة أمام بعض الخطط التي رُسمت لمستقبل الشرق الأوسط. ويقول: «قد يستطيعون تغييرَ الحدود لكنْ ليس حدود تركيا، الشعب التركي مثلُ «الروسور» لا يمكن كسرُه، ومهما تمّ الضغط عليه سيَعود الى حجمه الطبيعي، والتاريخ يثبت ذلك».

فعندما تصل الأمور الى النقطة الأخيرة ويحاولون الضغط على تركيا، عليهم «تذكّر ما حدثَ بعد الحرب العالمية الأولى حين قسّموا أراضي الامبراطورية العثمانية. قطعة أرض صغيرة في وسط الاناضول باتت بفِعل جنرال أمن بالجمهورية قوّةً لا يمكن الاستهانة بها».

ويقلّل يوكان من سيلِ الانتقادات التي تطاول «السلطان». ويقول: «لا يمكن اتّهام اردوغان بالديكتاتور، لأنّ هناك قانوناً ينصّ على حماية رئيس الجمهورية إذا قام أيّ طرف بإساءة ضدّه، ويبدو أنّ محامِي أردوغان أكثر حساسيةً من غيرهم تجاه هذه الإساءات ويتابعون كلّ قضية». ويتابع: «لا يحقّ لأحد شتمُ الرئيس… الرؤساء الذين سَبقوا أردوغان كانوا أكثر تسامحاً حيال أيّ تعرّض لهم، وهذه ليست الحال الآن».

وينفي يوكان نيّة الرئيس التركي تحويلَ الجمهورية الى دولة دينية. ويذكّر بأنه عندما طالب رئيس البرلمان اسماعيل كهرمان بضرورة إخراج مفهوم العلمانية من الدستور الجديد، قال اردوغان بوضوح إنّ العلمانية تبقى اساس هذه الجمهورية.

كتاب «حضارة الأناضول»

شغفُ ودفاع يوكان عن سياسة بلاده يقابلها فخرٌ واعتزازٌ بإرثها الثقافي. وهو لهذه الغاية أصدر كتاباً نوعياً عن «حضارة الأناضول». فكرةٌ انطلقت في البداية بكتاب سمعي، كون المدراء والبيروقراطيين ليس لديهم وقتٌ لقراءة الكتب، ليعود يوكان ويَلمس عدمَ رغبة الناس في الاستماع، فقرّر أن

يصدر كتابَه ليكون بمثابة موسوعة قصصية بعد أن توسّع في فصول الكتاب. ويقول: «إستغرقَ تحضير الكتاب ثلاثَ سنوات. فكرتي ليست تحضير عمل آكاديمي بل قصة يمكن إخبارها.

حوّلت بعض كتيّبات الآكاديميين الى قصص لإخبار الناس ما مرَّت به هذه الأرض خلال 12000 عام، بدءاً من الموقع الـ«مقدس» في كوبيكلي تبه قرب أورفا. يسعى يوكان إلى سَبر أغوار أسرار غير معروفة، بهدف حفظ التراث، ونقلِه إلى الأجيال المقبلة لتتذكّره بفخر.

ويعتبر أنّ كتابه «هو عملٌ لم يسبق له مثيل»، وهو يتّجه إلى إنجاز طبعة ثانية تتناول الإنجازات في مجال الطبّ والأدب والقانون، ويفكّر بترجمته إلى اللغة الإنكليزية، ولديه نيّة بترجمته إلى العربية، ممّا سيسَهّل انتشارَه في الأسواق.