Site icon IMLebanon

تركيا وهواجس أمنها القومي… «لا مطامع لنا»

 

تخوض تركيا حرباً على أربع جبهات، وقد خرجت من المحاولة الانقلابية الفاشلة في 15 تمّوز الماضي «أقوى ممّا كانت عليه»، وهي ماضية في مسيرتها لتحقيق التنمية، بدليل أنّ الاقتصاد التركي حقّق نسبة نموّ بلغَت 3.5 في المئة، على رغم الفوضى السائدة في المنطقة والحرب السوريّة وتوتّر الوضع مع العراق. فأمنُ تركيا القومي على المحكّ، في نظر سفيرها في لبنان جاغتاي أرجيس، وتدخُّلها العسكري في سوريا والعراق يقع ضمن هذا السياق. وبالتالي لن تقف حكومة حزب «العدالة والتنمية» مكتوفةً وتراقب ما يجري على 1200 كلم من حدودها مع بغداد ودمشق، فهي قرّرت انتزاع زمام المبادرة لحماية نفسها وليس لديها مطامع بأيّ شِبر من أراضي الدول المجاورة، حسبما يؤكّد إرشد هرموزلو، كبير مستشاري الرئيس التركي السابق عبدالله غول لشؤون الشرق الأوسط من العام 2008 إلى 2014.

كادت ليلة 15 تمّوز الماضي تكون نقطةً سوداء في تاريخ تركيا، لكنّ الشعب التركي وسائر الأحزاب المعارضة، الذين توحّدوا ضد هذه المحاولة الانقلابية التي قامت بها منظمة إرهابية لقلب الحكومة الشرعية، ووقفوا بشجاعة أمام الدبابات، حوّلوا هذا الليلة السوداء إلى يوم مُشرق للديموقراطية التركية، على حدّ تعبير السفير التركي.

ويقول أرجيس خلال مشاركته في ندوة تحت عنوان «تركيا اليوم: التحدّيات والآفاق» في 13 تشرين الأوّل في معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية في الجامعة الأميركية في بيروت: «لا شكّ في أنّ شبكة فتح الله غولن الإرهابية كانت وراء المحاولة الانقلابية، بعد أن اخترقت هذه الحركة كلّ مؤسسات الدولة، وقد أرسَلنا 85 ملفّاً إلى الولايات المتحدة كأدلّة لاسترداد فتح الله غولن.

اليوم حالة الطوارئ في تركيا هي لتطهير المؤسسات من منظمة غولن وليست لخنق الحرّيات. ولإعادة بناء الدولة التركية، أعلنَت الحكومة حال الطوارئ في حقّ نفسها، وليس ضد الشعب التركي».

حملة تطهير تسعى تركيا إلى أن «تكون ضمن إطار القانون ومنسجمةً مع التزاماتنا الدولية»، في نظر أرجيس الذي يرى أنّ بلاده خرجت من المحاولة الانقلابية الفاشلة «أقوى ممّا كانت عليه، وهي ماضية في مسيرتها لتحقيق التنمية».

وعلى رغم الفوضى السائدة في المنطقة والحرب في سوريا وتوتّر الوضع مع العراق، حقّق الاقتصاد التركي نسبة نموّ بَلغت 3.5 في المئة، حسبما يؤكّد أرجيس، مُذكّراً بأنّ تركيا «هي الدولة الوحيدة في العالم التي تحارب 4 منظمات إرهابية في الوقت نفسه».

ويقول: «أمنُ تركيا القومي في خطر، الانقلاب كان خطراً وجودياً. تركيا ليست لديها طموحات ومطامع في أراضي سوريا والعراق. لدينا حدود مشتركة مع هاتين الدولتين ونخشى المنظمات الإرهابية، أمثال حزب العمّال الكردستاني PKK وحزب الاتّحاد الديمقراطي PYD وقوات وحدات حماية الشعب YPG وداعش».

وينتقد أرجيس الولايات المتحدة والدول الغربية من دون أن يسمّيها، بسبب دعمِها القوات الكردية في سوريا. ويقول: «بعض الدول ترتكب أخطاءً عندما تدعم إرهابيين لمواجهة إرهابيين آخرين. تركيا تقاتل هذه المجموعات الإرهابية الأربع».

ويذكّر أرجيس بـ«ثوابت السياسة التركية في سوريا التي لم تتغيّر، وتقوم على أربع ركائز. أوّلها أنّ حلّ الأزمة السورية سلمياً وليس عسكرياً، ورفض تقسيم سوريا، وثانيها الاستمرار في دعم المعارضة المعتدلة، وثالثها مواصلة الحرب ضد الإرهابيين، ما دفعَ تركيا إلى القرار بشنِّ عملية «درع الفرات» عندما شعرَت بخطر «داعش» فأخذَت الأمور بيدِها، لأنّها لن تسمح بوجود ممرّ للإرهابيين على حدودها، ورابعُها عدم إغفال الجانب الإنساني.

ويبقى أنّ ما يجري في حلب مقلِق للغاية، والمطلوب تأمين المساعدات الإنسانية الى أهلها، فضلاً عن الحاجة إلى إعادة وقفِ النار، على حدّ تعبير أرجيس.

معضلة الموصل

وفي قضية الموصل على وجه التحديد، التي تنتظر تحريرَها من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية الذي يسيطر عليها منذ أكثر من عامين، والحرب الكلامية بين رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي والرئيس التركي رجب طيب اردوغان، يذكّر السفير التركي أنّ في القاعدة العسكرية التركية في بعشيقة، شمال شرق الموصل يتمّ تدريب متطوعين سنّةً استعداداً لمعركة استعادةِ هذه المنطقة بطلبٍ مِن الحكومة العراقية.

ويقول لـ«الجمهورية»: «هم دعونا إلى هناك»، مُستعيداً كلامَ رئيس الوزراء التركي علي بن يلدريم وتحذيرَه من حرب طائفية في الموصل وتدفّقِ اللاجئين جرّاء المعركة المرتقبة.

ويتّفق إرشد هرموزلو مع أرجيس في تخوّفِه ممّا قد يَحدث بعد معركة الموصل. ويذكّر بأنّه «عندما تحرّرت سنجار من قبضة «داعش»، دخلَ إليها حزب العمّال وأنشأ قاعدةً موجّهة ضد تركيا»، أملاً في تفهّمِ الهواجس الأمنية لبلاده.

ويَأخذ هرموزلو على الولايات المتحدة الأميركية موقفَها من المنظمات الإرهابية، في إشارة إلى التنظيمات التي تدور في فلك حزب العمّال الكردستاني.

فتركيا تعاني من الإرهاب منذ 40 عاماً، وهي تحارب «داعش» وفروعاً أخرى لمنظمات إرهابية، «تفاعل معها حلفاؤنا». ويقول لـ«الجمهورية»: «لا يمكنكم تخيُّل المنطقة الموبوءة بين تركيا وسوريا والعراق التي تمتد إلى 1200 كلم. هذه الجماعات تغيّر الوضعَ الديموغرافي»، مؤكّداً أن «ليس لتركيا مطامع في أيّ شِبر من أراضي الدول المجاورة».

ويأمل هرموزلو الذي يَشغل منصبَ الأمين العام لملتقى الحوار العربي – التركي أن تُحلّ الأزمة بين تركيا والعراق بالحوار. ويضيف «أمّا في سوريا على وجه الخصوص، فكانت تركيا أمام خيارين عند بداية الأزمة، أن تقف مع النظام أو الشعب، ولطالما انتقدوا عدم تدخّلِ تركيا لإسقاط نظام بشّار الأسد».

ويقول: «اليوم عندما دخلت تركيا إلى سوريا لمكافحة المنظمات الإرهابية بدأوا يهاجمونها، فليقرّروا ماذا يريدون؟»، أملاً في «تفَهّم مساعدة بلاده للمعارضة السورية للقضاء على الإرهابيين في منبج أو في الراعي أو جرابلس».

ويشدّد على «أنّ تركيا تريد سوريا موحّدة وسيّدة نفسِها، والسوريون يجب أن يتولّوا أمورَهم»، منوّهاً باستقبال بلاده نحو 2 مليون و700 ألف لاجئ سوري و 300 ألف لاجئ عراقي، على حدّ تعبير هرموزلو الذي يرفض الحديث عن نيّة تركيا الهيمنة على المنطقة. ويقول: «إطمئنّوا، لا توجد هناك عثمانية جديدة أو عباسية أو أموية جديدة. فلكلّ مرحلة خصوصيتُها، والمطلوب أن نَستلهم من تجارب بعضنا البعض».

النموذج التركي غير صالح للتصدير

ويتابع هرموزلو: «هناك ارتباك في أذهان إخواننا العرب. يجب أن لا يكون هناك استقطابات، لهذا أسّسنا ملتقى الحوار التركي-العربي». ويشير إلى أنّ «تركيا لا تبحث عن هوية معيّنة، فهي تحَلّق بأجنحة متعدّدة، كونها عضواً في مجلس أوروبا وفي حلف الأطلسي ومنظمة التعاون الإسلامي، ودولةً مراقِبة في الجامعة العربية».

ويقول: «تركيا ليست جسراً بين الشرق والغرب، بل مركز تتناغم فيه الحضارات القديمة. والنموذج التركي غير صالح للتصدير، فلكلّ بلد خصوصيته».

ويشدّد هرموزلو على أنّ العلاقات مع الدول العربية يجب أن تُبنى على ضلعين إثنين، الضلع الثقافي وضلعُ التكامل الاقتصادي. ويقول: «التركيز فقط على الشقّ الثقافي، لن يكون لذلك أثرٌ فاعل، وإذا اقتصرَت المسائل على الشق الاقتصادي، عندما تسوء العلاقة بين الدولتين قد نشهد قطعَ هذه العلاقات، كما حصل خلال الأزمة الأخيرة بين تركيا وروسيا.

فإنْ لم ترسل تركيا الخضراوات الى روسيا سيكون هناك بدائل في افريقيا، لكن الاهم تحقيق التكامل الاقتصادي وتعزيز الروابط الثقافية لتكون مقدّمة لعلاقات لا تتغيّر مع الزمن».

واللافت أنّ هرموزلو سبق وكتبَ في نيسان 2016، أي قبل ثلاثة اشهر من الانقلاب، مقالاً عن إمكانية أن يحدث انقلاب عسكري في تركيا، خلصَ فيه إلى انّ الشعب التركي هدفُه الحفاظ على صناديق الاقتراع. ويرى أنّه كان الأحرى أن يكتب هل سينجح انقلاب في تركيا.

فما يميّز التجربة التركية أثناء الانقلاب الفاشل أنّ الشعب وقفَ بوجه الدبابات وليس العكس، يتابع هرموزلو، ويعتبر أنّ لدى تركيا ثلاث أولويات وهي التعليم والتعليم والتعليم.