شكّل اسقاط تركيا مقاتلة «السوخوي 24« الروسية، نقطة تحول فاصلة في مسار الازمة السورية عبر وصولها الى ما يشبه حربا باردة دولية، في ضوء تبنّي الولايات المتحدة والحلف الاطلسي مقولة الاتراك بأن المقاتلة الروسية انتهكت حرمة اجوائهم. وقد وصل التحول الى هذا الحدّ بعد تدرّج الازمة السورية من محلية صرفة في بداياتها الى عربية فإقليمية.
موسكو سبق لها ان ألمحت في قمة العشرين التي انعقدت مؤخرا في انطاليا التركية الى ان دولا مشاركة لم تسمّها ترعى الارهاب عبر القول إن «أربعين دولة تساهم في تمويل داعش بينها دول في المجموعة». اما بعد الخطوة التركية فقد اتت الاتهامات مباشرة وتصعدت من وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لها بأنها «طعنة في الظهر لمن يرعى الارهاب«، وصولاً الى تشبيهها بالامس بانها «اعلان حرب».
فالخطوة التركية لم تأت من عدم، اذ سبق لسلطاتها ان حذرت من اي تهديد لأمن حدودها بسبب استهداف الغارات الروسية جبل التركمان المحاذي، حيث لا يتواجد تنظيم «داعش«، والذي يشكل مع محيطه بذرة المنطقة الآمنة التي يطالب الرئيس رجب طيب اردوغان بها عبثا منذ سنوات. فالقضاء على المقاتلين المعتدلين يختصر المعادلة الى ما بين الاسد و«داعش« بما يسهل قيام تحالف دولي متكامل تريده روسيا لأولوية القضاء على الارهاب، وفق سياسي لبناني متابع بدقة للتطورات السورية.
فبعد الحادثة التي «لن يكون بعدها كما قبلها» يلفت المصدر الى ان الرئيس اردوغان اعلن، وبالتعاون مع الحلفاء، عزمه اقامة منطقة حدودية آمنة باتت حظوظها اكبر خصوصا في ظل المخاوف الغربية المتنامية من ازمة اللجوء السورية الى اوروبا بعد تفجيرات باريس الداعشية الدامية.
والسؤال كيف سيكون تأثير ما جرى على محادثات فيينا التي بدت واعدة لرسم حل سياسي رغم استمرار الخلاف وان ظاهريا على مصير الاسد خصوصا في المرحلة الانتقالية، وبعد تفجيرات باريس، واسقاط السوخوي؟ فقد عاد التشدد الغربي بشأن مصير الاسد. وتوافق الرئيس الاميركي باراك اوباما ونظيره الفرنسي فرانسوا هولاند على ان فعالية الحرب على الارهاب ترتبط برحيله.
وقد شرّع اسقاط السوخوي الابواب امام احتمالات عدة تصل حد المواجهة بين المحور التركي- الاطلسي مع العرب في مقابل المحور الروسي – الايراني. لكن التصعيد الى هذا الحد لا يصب في مصلحة اي من الاطراف، فعادت النبرة الى دعوات التهدئة من قبل الطرفين.
ويلفت المصدر الى ان المساعي المشتركة لروسيا وإيران لإظهار منتهى التنسيق بشان سوريا والذي تجسد في قمة بوتين-خامنئي لا تلغي التوتر في العلاقات من جراء مصادرة موسكو عمليا جزءاً كبيراً من دور طهران.
ويرجح المصدر أن يأتي «الانتقام» الروسي اقتصاديا لا عسكريا خصوصا وان المعاناة ما زالت قائمة بسبب اوكرانيا ومن جراء العقوبات الدولية. ويضاف الى ذلك الانعكاسات السلبية للحادثة على الرأي العام الروسي الذي ركن لتطمينات رئيسه، الذي يعتقد انه الممسك الوحيد بخيوط اللعبة، بأن لا خسائر بشرية او مساس بصورة العظمة من جراء التدخل العسكري، خصوصا وانه جرى تفجير طائرة ركاب مدنية قبل اسقاط السوخوي.
فركائز الاقتصاد التركي تقوم على دعائم بامكان روسيا زعزعتها من السياحة الى الغاز والنفط الى الاستثمارات الاجنبية التي لا بد ان تنسحب اذا تعمدت روسيا هز الاستقرار الامني عبر تحريك الاقليات من علويين وأرمن وخصوصا اكراد.
رغم ذلك يرى المصدر ان توالي الانتكاسات على روسيا سيجعلها الاكثر استعجالا للبدء فعليا بالسعي الى حل سياسي في سوريا بدأت ترتسم ملامحه. ومع بدء الارتسام تحركت محليا جبهة الفراغ الرئاسي من دون ان يعني ذلك انها ستنتج سريعا سدا للفراغ المستشري منذ اكثر من عام ونصف العام، لكنها تندرج في اطار التواصل المفتوح في كل الاتجاهات بحثا عن تسوية وطنية.