يقدم الأتراك إزاء الوضع السوري أداء ملتبساً في تفاصيله، لكنه واضح في عمومياته وخطوطه العريضة والنحيفة.. ويفعلون ذلك تبعاً لجملة اعتبارات، ليس من ضمنها بالتأكيد، استحضار التاريخ لبناء أدوار عظيمة راهنة!
بل ان أي مقارنة بينهم وبين الايرانيين مثلاً، لا تركب إلا لصالحهم. بحيث إنه لا يُؤخذ عليهم تخريب، أو زعزعة أي بنيان أو كيان سياسي أمني ديني وطني دستوري عربي، أيًّا كان مقدار تخلخله و«الفرص» التي يتيحها ذلك التخلخل، من أجل ادعاء أدوار كبرى وامتلاك أوراق عُظمى! على عكس ايران بالتمام والكمال، التي رأت وترى ان طموحاتها الامبراطورية لا تُبنى إلا على ركام وحطام جيرانها العرب والمسلمين، والذهاب الى الآخر في استغلال أي فرصة سانحة، مهما كانت أكلافها!
قصّة الأتراك مع مصر مستجدّة وخارج السياق. وهي على توترها، لم تخرج في أي لحظة عن دائرة الحكي والخطابة الرنانة. ولم تدفع (بالطرفين على أي حال) الى اتخاذ اجراءات قطع، أو إعتماد سياسات استفزازية كيدية (والله أعلم!).
في سوريا، تبيّن ويتبيّن، ان المقاربة التركية لم تشطح باتجاه ارتكابات خطيرة.. بل يؤخذ على أنقرة انها لم تفعل شيئاً يوازي أطنان كلامها. أي (مرة أخرى) على عكس ايران تماماً التي حكت قليلاً وفعلت ما لم يفعله غيرها من عجائب وغرائب في حق السوريين وبلدهم وعمرانهم.
ولا أحد يستطيع أن يتناسى ان موقف أنقرة، في الشهور الأولى للثورة السورية، لم يكن يختلف عن مواقف دول كثيرة، اقليمية وعالمية، لجهة حضّ سلطة بشار الأسد على اتخاذ اجراءات وخطوات باتجاه ملاقاة بعض المطالب الاصلاحية المرفوعة.. وشهيرة الجلسات الطويلة لرئيس الحكومة، وزير الخارجية السابق أحمد داوود أوغلو مع الأسد، في دمشق وحلب، قبل أن يكتشف المسؤول التركي، لاحقاً وسريعاً، ان عطب تلك السلطة يبدأ من رأسها أولاً وأساساً.
موقفها الراهن، من ضمن الائتلاف الدولي لمحاربة الارهاب، متقدم على موقف الحلفاء الغربيين، لكنه يتماهى مع الموقف العربي العام القائل ان ضرب «داعش» و«النصرة» لا يعني شيئاً من دون ضرب السلطة الأسدية. والحسبة منطقية تماماً: لا يمكن أن تقارب النتيجة من دون مقاربة سببها. ولا يمكن أن تعالج خللاً (حتى لو كان على مستوى الارهاب الاسطوري الراهن) من دون معالجة مناخاته ومسبباته.. ومعهم حق!
في تفاصيل الاداء الراهن، هناك التباسات خاصة بمدينة عين العرب (كوباني): يبدو الأتراك وكأنهم يستغلون ما يحصل من أجل دفع الأميركيين أساساً الى تفعيل تدخلهم وتطوير سياستهم والقبول بما يطرحونه. ومن جملة ذلك اقامة منطقة حظر جوي تغطي منطقة عازلة على الأرض تعطي اللاجئين والنازحين السوريين ملاذاً آمناً وتؤمن لفصائل المعارضة نقاط تجمع وانطلاق ملائمة أكثر من النقاط الجبهوية المشتعلة… والمفارقة، أن التمنّع الأميركي في هذا الشأن، يلاقي (من غير قصد طبعاً!؟) الاعتراض الإيراني الذي بدأ يلعلع بلغة تهويلية من طهران!
على أي حال، فإن سقف المناورة التركية هو عدم السماح بسقوط عين العرب. وذلك امتحان كبير للأتراك ولكل التحالف الدولي، ولا يمكن تصور معنى الفشل فيه، ولا العنوان العريض لذلك الفشل: من لم يستطع منع عين العرب من السقوط، لا يمكنه ادعاء العمل على اسقاط سلطة الأسد!