«التفصيل» التركي في «الحرب على الإرهاب» يوازي عند سلطة بشار الأسد معظم تركيبة التحالف الدولي وعملياته الجوية.
بل إن تحرك الأتراك شكّل ويشكّل قمّة تهافت حسابات السلطة الأسدية التي بُنيت (ونفّذت) على أساس استبعاد أي أداء ميداني يترجم المواقف السياسية والإعلامية الحادة لأنقرة إزاء ما يجري في سوريا.. بل كان من شبه المؤكد، عند تلك السلطة، إن معظم المعطيات اللاجمة للأتراك هي من العيار الثقيل، وتبدأ من استنكاف «الناتو» عن التدخل تبعاً للقرار السياسي لدولِهِ، ولا تنتهي عند موقف الجار الإيراني ولا عند التأثيرات المحتملة لأي تدخل ضد الحكم الأقلوي الفئوي الأسدي على التركيبة الديموغرافية التركية!
بل لم يُترك معطى (سبب)، منطقي واقعي، أو هلوسي وهمي، إلاّ ونُبش على مدى السنوات الثلاث الماضية، لتفسير تلك المعادلة الأردوغانية الغريبة: كلام عالي النبرة وأداء متواضع الى حدود العدم.. ووصل الأمر «التحليلي»، الى حدود الذهاب نحو توقّع سقوط حكم أردوغان إذا تحرك لتأكيد سقوط حكم الأسد!
المفارقة، أن معظم تلك «الأسباب» تبخّرت بين عشية وضحاها وتبيّن بالتالي أن تركيا لم تكن لتتصرف وحدها حتى لو أرادت لكن ليس لأنها تخاف على استقرارها الداخلي وتركيبتها الديموغرافية.. او لأنها تخشى «رد فعل» إيران أو روسيا! بل لأنها جزء من مكوّن عام كانت معظم دوله ومراكز الحكم فيه، بدءاً من واشنطن وصولاً الى برلين، لا تجد أي مصلحة لها في التدخل لوضع حدّ لفظاعات سلطة الأسد وحلفائه في حق الشعب السوري! ولم تأخذ في الاعتبار مسوّغات الموقف التركي طالما أن تأثيرات ما يحصل لم تصب مصالح تركيا أو حلفائها بأضرار كبيرة.
الحاصل هو أن الدنيا تغيّرت! والمفارقة التالية هي أن سلطة بشار الأسد التي طمرت رأسها في الرمل و«قررت» أن لا ترى عمليات الائتلاف الدولي بعين عدائية، بل تمايزت عن حلفائها في محور الممانعة وطنّشت عن وعودها وتهديداتها.. بل التي خرجت واحدة من صحفها «اللامعة» لتضع عنواناً على كامل الصفحة الأولى يفيد أن الأميركيين يقاتلون جنباً الى جنب، مع جيش الأسد «ضد الإرهاب».. هذه السلطة ذاتها قررت بالأمس أن أي تحرك تركي سيكون «عدواناً موصوفاً»!
.. بانتظار معرفة معنى ذلك التوصيف إذا كان له معنى! فإن الواضح تماماً، هو أن سلطة الأسد تعرف أكثر من كل الناس معنى قرار أنقرة بالتحرك، وصولاً الى اقتناعها، بأن الائتلاف الدولي الذي يقاتل «داعش» و«النصرة» سيكون المظلة الجوية والسياسية للموقف التركي القائل إن سقوط حكم الأسد هو بداية الحرب الفعلية على الإرهاب، وأبرز شروط نجاحها.