تابع المراقبون والمتابعون باهتمام الاسبوع الماضي عملية الأخذ والرد المتوترة بين الولايات المتحدة وتركيا على خلفية اصرار واشنطن على ضرورة تدخل تركيا من اجل انقاذ مدينة كوباني الكردية في الجانب السوري القريب من الحدود مع تركيا من هجوم لتنظيم الدولة الاسلامية يهدد بتهجيرها كلياً والسيطرة عليها وذلك انطلاقاً من حاجة التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد التنظيم الى مواكبة ميدانية على الارض. وبغض النظر عن المسألة الانسانية المتعلقة بضرورة انقاذ كوباني او الحسابات التركية سلباً او ايجاباً المتصلة بذلك، راقب هؤلاء باهتمام الجدل حول المطالب التي رفعتها تركيا أقله في الشق المتعلق بالمطالب العلنية كشرط من اجل مساهمتها العملية في الدفاع عن كوباني والتي اختصرتها بثلاثة هي حسم مسألة رحيل او اسقاط نظام الاسد واقامة منطقة عازلة على الحدود مع تركيا تؤمن لجوء الاكراد واللاجئين السوريين اليها وفرض منطقة حظر طيران فوق هذه المنطقة.
كثير من محطات الحرب في العراق او في سوريا تذكر المراقبين بزمن الحرب في لبنان والتدخلات الاقليمية والدولية فيها. ولذا اهتم كثر بمتابعة ما اذا كان الاصرار الاميركي على التدخل التركي سيكون مماثلاً لبدايات الحرب اللبنانية حين احتاجت الولايات المتحدة الى من “يضبط” وقع التطورات الدرامية اللبنانية الفلسطينية والتي كانت انطلقت بمساهمة فاعلة من النظام السوري يومئذ فاوكلت واشنطن الى النظام السوري التصرف بالوضع اللبناني من ضمن ضوابط محددة غالباً ما تجاوزها النظام السوري لقدرته على التلاعب بمكونات هذا الوضع الى ان استتبت له الوصاية على لبنان بعد عقود من انخراطه في حرب داخلية ضد جميع الطوائف قبل ان يسحب قواته اثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري وثورة غالبية اللبنانيين ضده. واذ لا يجوز التقليل من أهمية المصالح التركية في سوريا ان بالنسبة الى تحجيم الاكراد السوريين او بالنسبة الى منع داعش من تهديد الحدود التركية، وهي ذرائع مماثلة لتلك التي استخدمها النظام السوري قبل الحرب وخلالها وبعدها للتدخل في لبنان في اي وقت، فانه بدا لافتاً بالنسبة الى هؤلاء المراقبين عدم ايلاء واشنطن أي أهمية للتحذيرات الايرانية لتركيا من التدخل في سوريا والتي بدت مشابهة مقارنة بموضوع لبنان مطلع الحرب بالاحتجاج الاسرائيلي على التدخل السوري فيه والذي كان حصل على موافقة اسرائيلية وقتذاك خصوصاً اذا كانت تركيا ستساهم في وضع حد لداعش فقط كما كانت سوريا ستضع حدا للمنظمات الفلسطينية في لبنان.
الا ان عدم التجاوب الاميركي مع المطالب التركية شكل مؤشراً متزايداً بالنسبة الى هؤلاء المراقبين الى جملة أمور وتساؤلات من بينها: أولاً اذا كانت تركيا تشترط على واشنطن حسم اسقاط نظام الاسد من اجل ان تقدم مساهمتها في الدفاع عن كوباني، فعلى اي اساس اشتركت دول عربية اساسية في الغارات ضمن التحالف الدولي على تنظيم الدولة الاسلامية وهل ثمة ضمانات تلقتها بمنع استفادة النظام من هذه الضربات لمصلحته ام لا استناداً الى ان الشرط التركي باسقاط الاسد لا يوحي بوجود هذا البند على الطاولة في السياق الراهن للامور على الاقل، فضلاً عن ان النظام يحاول من خلال توجيه ضربات عسكرية الى مناطق المعارضة ان يوحي انه جزء من التحالف ويعمل بهديه او ان العكس هو الصحيح وفق منطقه. فالشرط التركي لهذه الجهة يكشف الدول العربية ويحرجها من زاوية ان الولايات المتحدة فرضت أولوية وقف تقدم داعش على سائر الاولويات الاخرى، بالتوازي مع تظهير وجود اختلاف لا يزال قائماً بين الفريق الواحد اي التحالف الدولي المضاد لبشار الاسد وحلفائه على طبيعة النهايات او الحلول المرجوة ومداها. فتركيا لا تريد ان ترمي بنفسها في وحول ازمة سورية مستعرة من دون ضمانات بوجود استراتيجية خروج من الازمة او نهاية لها فيما أيدت فرنسا التي لا تشارك الولايات المتحدة غاراتها على مواقع تنظيم الدولة الاسلامية في سوريا سعي تركيا الى اقامة منطقة عازلة، الامر الذي أظهر أكثر فأكثر غياب استراتيجية ابعد من محاولة التخلص من داعش راهناً وتقييد قدرتها في سوريا من اجل ضمان نجاح تقييدها في العراق.
ثانياً ان الضمانات التي قدمتها واشنطن لكل من ايران وروسيا بعدم استهداف مواقع النظام السوري او مراكزه لا يعتقد المراقبون انها يمكن ان تؤمن الضغط اللازم من اجل دفع هؤلاء الى القبول بحل سياسي مقدار ما يوحي بان استهداف تنظيم الدولة الاسلامية قد يخدم النظام وحلفاءه ويقوي موقع هذا الفريق اكثر خصوصاً ان دعم المعارضة المعتدلة لا يسير بالزخم الكافي لاضعاف النظام. فخلال ثلاث سنوات ونصف السنة من عمر الازمة السورية راعت الولايات المتحدة روسيا ومصالحها في سوريا الى حد كبير في هذه الازمة كما راعت ايران من منطلق سعيها الى اتفاق حول الملف النووي الايراني وعدم استفزاز ايران بما يمكن ان يضر بالمفاوضات حول هذا الملف. وتالياً فإن الاصرار الاميركي على تركيا للتدخل انما هو من اجل هدف محدد يتصل بوقف تقدم داعش ومواجهته لكن من دون وجود استراتيجية بعيدة المدى نحو تغيير جذري في المعادلة السورية الداخلية بحيث يؤدي الى حل او يسمح بالوصول اليه اقله في المدى المنظور. وهي امور مقلقة جنباً الى جنب مع اعلان واشنطن ان الحرب طويلة ضد داعش قد تستغرق سنوات.