الجريمة التي ارتكبها متطرف استرالي بحق مواطنين مسلمين في نيوزيلندا، أدت إلى فضائح عدة أبرزها ما ترتكبه سلطتا إيران وتركيا. فقد دعت الأولى إلى اجتماعات خاصة للمؤسسات العالمية الإسلامية تتولى الردّ على الجريمة، ليلتحق كل مسلم في العالم، من وجهة نظر إيران، بكتلة تتولى قيادتها هي وحليفتها تركيا، متخلياً بذلك عن انتمائه الوطني ومستسلماً لقيادات الإسلام السياسي المعولم الموجودة في بلد آخر، إيران أو تركيا. أما السلطة التركية بشخص الرئيس رجب طيب أردوغان فأرسلت وفداً إلى نيوزيلندا برئاسة وزير خارجيتها مولود جاويش أوغلو، أتبعته بتصريح رئاسي يقدّم أردوغان «خليفة» مسؤولاً عن مسلمي العالم ويُنذر بالانتقام باسمهم، متجاوزاً كونهم مواطنين في دول بعينها يخضعون لقوانين تلك الدول مع غيرهم من ديانات أخرى أو غير متديّنين، لتكون كل دولة مسؤولة في الواقع عن مواطنيها المسلمين وغير المسلمين.
مبادرات إيران وتركيا في استغلال مأساة مسجدَيْ نيوزيلندا لن تتوقف، ومع إبداء التعاطف مع الضحايا والاهتمام بهم، تصل الأمور إلى نوع من الفصل بين المسلم والدولة التي يعيش فيها، وبالتالي تميّزه عن غيره من المواطنين وتشكك في مسؤولية الدولة، أي دولة، عن حفظ حقوق مواطنيها الذين يعتنقون الإسلام.
كلام حق يراد به باطل، ولنقل أنه تعاطف يضرّ بموضوع تعاطفه، حين يعرّي مسلمي العالم من حقوقهم وواجباتهم في الأوطان التي يعيشون فيها وينتمون إليها مع غيرهم.
ولا يستطيع الحاكمون في طهران وأنقرة أن يخفوا ازدواجيتهم عن أنظار العالم بمسلميه وغير المسلمين، فهؤلاء يرفعون شعار الوطنية الفارسية والوطنية التركية لاستنهاض مواطنيهم قومياً ضد الشعوب الأخرى ودفاعاً عن ما يعتبرونه تميّزهم الحضاري، وأحياناً العرقي. وهم في الوقت نفسه يرفعون شعار الإسلام السياسي لتسهيل حصولهم على أنصار من مسلمي العالم، يدفعونهم إلى التخلي عن مصالحهم الوطنية من أجل عالمية موهومة للإسلام السياسي (لا الديني) يستفيد منها الإيراني والتركي من دون سائر مسلمي العالم.
ثمة ضربة ثانية يتلقاها مسلمو نيوزيلندا بعد المقتلة في المسجدين، وهذه المرة من بلدين إسلاميين يريدان استغلال المأساة لتثبيت حكمهما وللحفاظ على امتداداتهما السياسية والعسكرية خارج الحدود.
مقتلة عدد من مسلمي نيوزيلندا مشكلة تعني الدولة التي ينتمي إليها هؤلاء، كما تعني المواطنين الآخرين الذين يشاركونهم الانتماء وطنياً وسياسياً واقتصادياً، وبالتالي إنسانياً.
كأن أردوغان بتصريحاته المستفزّة ضد الانتماء الوطني لمسلمي العالم، ومعه طموحات حكام إيران، يريد فصل المسلمين عن شراكاتهم في أوطانهم، في سبيل زعامة بائسة تجدد حرباً صليبية، ولكن هذه المرة باسم إسلام متطرّف يؤدي فقط إلى خراب العالم.