وفي العام الأول بعد القرن الأول من اتفاق «سايكس – بيكو»، عاد الأتراك إلى سوريا، وكأنّ شيئاً لم يكن. وفي العام نفسه، جلس «القيصر» على «عرشه» في موسكو، وأكد تمدّده إلى دمشق بعد أن ثبّت نفسه على شاطئ البحر الأبيض المتوسط في طرطوس، وأكد أنه يسيطر على الجو في «حميميم».
بهذا يكون «القيصر» الجديد فلاديمير بوتين، قد نجح في تحويل أحلام «القياصرة» الذين سبقوه إلى واقع، يعيد إلى روسيا مجدها الذي سُرق منها كما يشدّد بوتين، المتأسف دائماً على سقوط الاتحاد السوفياتي.
كل هذا، زائد تمزيق سوريا وتدميرها وتشتيت شعبها بأقصى ما يمكن من الوحشية والتدمير، يدفع للتساؤل: ماذا لو لم نحارب اتفاق «سايكس – بيكو»، ولم نساهم في إسقاط السلطان العثماني عبد الحميد؟ تماماً كما يتساءل البعض: ماذا لو حافظنا على معمر القذافي في ليبيا؟ وزين العابدين بن علي في تونس؟ وحسني مبارك في مصر؟ وعلي عبدالله صالح في اليمن؟ وصدام حسين في العراق؟ وبشار الأسد في سوريا؟ لقد تغيّر التاريخ ولا يمكن الرجوع إلى الوراء لإعادة كتابته.
محاربة اتفاق «سايكس – بيكو» وإسقاطه كان يجب أن يحدثا، وأن يتحمّس لهذه المهمة «شباب العرب». كان المطلوب كما في هذه المهمة، وما بعدها من إسقاط لكل أولئك القادة أن يتحمس الشباب وأن ينجحوا في تلك المهمة. لكن كان يجب الانتباه أكثر إلى «وطاويط الليل» الذين عبثوا وخرّبوا طموحات أجيال عدّة.
الكارثة في كل ما جرى وما يجري، أنّه تمّ الاعتماد كثيراً على الآخرين. البعض اعتمد على «العثماني الجديد» رجب طيب أردوغان، ولم ينتبهوا إلى أنّ هذه «العثمانية» هدفها الاستعادة وليس بناء علاقات جديدة. لم يتم محو «محطات» أساسية من «العثمانية»، تبلورت في «العثمانية الجديدة»، فكان غزو سوريا تحت شعار يغري الأتراك وهو الدفاع عن الأمن القومي الذي يهدّده الأكراد، الذين لم يعرفوا يوماً رغم عدالة قضيّتهم كيف يحاربون ومع من يسالمون وكيف يتحالفون، فكانت كل مرحلة من مراحل نضالهم تنتهي بكارثة أكبر من التي سبقتها.
تركيا أخذت «حصّتها» في سوريا وهي ستوسعها إلى منبج وتل أبيض وعين العرب (كوباني) والقامشلي.. وروسيا أخذت وهي تتمدد إلى قلب القرار السوري. تبقى إيران التي دفعها طموحها في نشر «الثورة» (والحقيقة والواقع نشر نفوذها وتوجّهها المذهبي) إلى تقديم الكثير.
بوتين جدّد وهو باقٍ ليتابع مشروعه ولا يُعتقد أنّه سيتراجع عنه بعد سنوات ست، بالعكس «سيتكمّش» به أكثر فأكثر وبدعم شعبي متصاعد.
في قلب ذلك أين إيران؟
غداً تدخل إيران الشعبية والرسمية في «كوما» عيد النوروز، لكن الصمت هذا العام سيكون صعباً جداً، بعد أن تراكمت الاتهامات المُتبادلة على أعلى المستويات. خلال الأيام العشرة الأخيرة من «العام الشمسي» الحالي:
* استجوب مجلس الشورى ثلاثة وزراء في حكومة الرئيس حسن روحاني. نجحوا في المواجهة وأخذوا الثقة، لكن المعارضين من المتشدّدين نجحوا في هزّ ثقة روحاني ولو لأيام. الاتهام الأساسي الذي وجّه إلى الوزراء أنّهم عيّنوا مسؤولين «غير ثوريين».
* اعتقل أبرز مساعدي الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد وعلى رأسهم الأقرب إلى قلبه وعقله اسفنديار رحيم مشائي الذي سبقه حميد بقائي إلى السجن. ويبدو أن نجاد فقَدَ صبره، فهاجم المرشد آية الله علي خامنئي مباشرة، فاتّهمه بنهب 195 مليار دولار، علماً أن المخرج الإيراني الكبير محسن مخملباف كان قد اتّهمه بأنّه استولى على 96 مليار دولار، لا تخضع للرقابة المالية.
الأهم من الاتهام التفاصيل التي أوردها نجاد الذي لا شك يعرف الكثير ويملك ملفات خطيرة. في هذه التفاصيل تكمن «الآلة الخامنئية» التي تُمسك بالسلطة منذ ربع قرن، والتي يهدّد غيابه عنها انهيار السقف فوق رؤوس الجزء الأكبر من السلطة. نجاد كشف توزيع هذا الرصيد الضخم على مؤسسات: «بنياد فرداد»، و«بنياد مستضعفان»، ومركز «ستاد اجرابي فرمات امام»، و«بنياد تعاون سياه»، (تعاونية الحرس الثوري) وتعاونية الجيش «بنياد تعاون ارتش» وتعاونية الباسيج «بنياد تعاون بسيج»، وتعاونية وزارة الدفاع «بنیاد تعاون وزارت دفاع» ولجنة الخميني الخيرية «کمیته امداد امام خميني». ولم ينسَ نجاد التأكيد على أن الاستياء الشعبي العام من أداء النظام اتّسع جداً وهو «أصبح خطيراً». السؤال هل يتم اعتقال نجاد أثناء عطلة النوروز فيتم استغلال «الكوما» الشعبية والرسمية لتمرير هذا الاعتقال؟ وماذا لو ذهب نجاد أبعد مما قاله وفضح بالأسماء والأرقام عمق الفساد الذي يتحدث عنه الإيرانيون علناً؟
أخيراً بدأ تراجع «حصة» إيران من سوريا بعد تقدم نفوذ تركيا وروسيا، يثير ردّة فعل شعبية تحت شعار: «دفعنا كثيراً من أموالنا وأرواح متطوّعينا، فماذا جنينا؟». أرقام الخسائر بالأرواح والمال أصبحت متداولة، وتطال في ضخامتها أداء الجنرال قاسم سليماني، إلى درجة الإشارة (حتى الآن) إلى ضعف قيادته في مواجهات سوريا والعراق ومقارنتها بما حصل في ظفار حيث لم يخسر الجيش الإيراني أكثر من 69 جندياً وضابطاً بعد أن حقّقوا «الانتصار» على ثوار ظفار في السبعينات، في حين أنّ الجنرال سليماني خسر حوالى ألفي مقاتل إيراني وأفغاني وعراقي وباكستاني إلى جانب حوالى 1600 مقاتل لبناني من «حزب الله».
سواء اعتُقل أحمدي نجاد أم لم يُعتقل، فإنّ مسلسل الاتهامات المتبادلة مستمر.. وأزمة النظام الخامنئي تتعمّق..
والقادم أعظم..