IMLebanon

تركيا أقوى وأكثر صموداً بعد عام على محاولة الانقلاب الغولينية

اليوم يحتفل الشعب التركي بالذكرى الأولى لـ «يوم الديموقراطية والوحدة الوطنية» ويستذكر شهداء الديموقراطية المئتين وتسعة واربعين الذين استشهدوا ليلة 15 تموز 2016 خلال عملية إحباط محاولة الانقلاب الشنيعة في تاريخ تركيا الحديثة.

مرتكبو هذا العمل البغيض هم من أتباع فتح الله غولن، الرجل الذي يسمي نفسه «إمام الكون» والمقيم في بنسلفانيا في منفى فرضه على نفسه منذ عام 1999. استناداً الى رضوخ مطلق وأعمى لرغبات وأوامر فتح الله غولن، خططت ونفذت المجموعة التي تؤمن بالعقاب الالهي والمعروفة باسم فيتو (منظمة فتح الله الإرهابية) محاولة انقلاب في 15 تموز بمساعدة الجواسيس المنتشرين داخل الجيش والشرطة والقضاء التركي.

بالنسبة إلى المراقبين، من الصعب فهم كيف يمكن لحركة تربوية مدنية ذات مظهر غير مؤذ أن تصبح دولة داخل الدولة وتدير حكومة ظل وتتلاعب بالقوانين لصالحها. النظر الى غولن كمجرد عالم إسلامي سلمي وداعية هو تشويه للحقيقة. فلقد شنّ تلاميذه في القوات المسلحة حملة إرهابية في ليلة 15 تموز، وهذه الحركة ليست حركة مؤيدة للسلام ولا هي ساذجة ومؤيدة للحوار، بل هي حركة عازمة على تجميع قوة اقتصادية ضخمة وتأثير سياسي مهما كان الثمن. يدير غولن مؤسسة عالمية مع طموحات عالمية للسلطة والهيمنة تعمل في أكثر من 150 بلداً من خلال المدارس والمنظمات غير الحكومية وجماعات الضغط (لوبي) ووسائل الإعلام والشركات.

وفي حين يكافح الناس في تركيا من أجل التغلب على صدمة هذا التهديد الوجودي، فقد غابت عن ذهن العالم الخارجي إلى حد كبير خطورة محاولة انقلاب 15 تموز ودلالتها بالنسبة للشعب التركي.

الوحشية والخيانة التي اظهرها الانقلابيون الغولينيون في تلك الليلة كانت ابعد من أي وصف. كان أسوأ عمل إرهابي في تاريخ تركيا حيث استخدم الانقلابيون الغولينيون الدبابات العسكرية والطائرات المقاتلة والمروحيات الهجومية ضد المدنيين الأبرياء الذين نزلوا إلى الشوارع للدفاع عن الجمهورية العلمانية التي تعود الى فترة طويلة ومؤسساتها الديمقراطية. لقد قتلوا مدنيين وحاولوا اغتيال الرئيس ورئيس الوزراء وقصفوا البرلمان التركي والمجمع الرئاسي ومقر الاستخبارات الوطنية ومقر القوات الخاصة وحاولوا السيطرة على المواقع الستراتيجية واقتحموا وسائل الإعلام الحرة. وفي تلك الليلة سلبوا أرواح 249 من الرجال والنساء الأتراك الأبرياء وجرحوا أكثرمن الفي شخص من جميع الفئات.

كان 15 تموز امتحان قوة ومثابرة للديمقراطية التركية وللدولة. وقفت جميع الأحزاب السياسية سواء في الحكومة أو المعارضة وعناصر القوات المسلحة وقوات الشرطة ووسائل الإعلام غير الموبوءة ضد الانقلابيين. فوق كل شيء، قاوم شعب تركيا من جميع الفئات والآراء السياسية وقدّم مثالاً تاريخياً على التضامن ووقف بجرأة لمواجهة الدبابات وطالب باستعادة حقوقه الديمقراطية.

وحّدت محاولة الانقلاب الدموية في 15تموز مرة أخرى شعب تركيا. وخلافاً لتوقعات البعض، فإنها لم تؤد إلى أزمة سياسية و/ أو اقتصادية بل بالعكس، فقد خلقت إحساساً جديداً بالوحدة الوطنية والتوافق السياسي في الكفاح ضد فيتو. هذه الروح الجديدة حاسمة بالنسبة لديمقراطية تركيا لأنها تتعامل مع عملية التخلص من التسلل الغوليني من جميع مؤسسات الدولة.

«جيزيتشي ريزارتش» مؤسسة استطلاع محترمة، نشرت الأسبوع الماضي نتائج استطلاعها الأخير للرأي، والتي تشير إلى أن 97.7٪ من الشعب التركي ينظر إلى منظمة فيتو كمنظمة إرهابية و94.2٪ يعتبرها مسؤولة عن محاولة انقلاب 15 تموز. وقد تم بالفعل اتهام فتح الله غولن وتلاميذه في عقول الناس وضميرهم.

يحاول الآن غولن الذي رأى دماره وتدميره الكامل في تركيا استخدام كل موارده وقوته لتنظيم جماعته خارج تركيا، ويسعى إلى الضرب مرة أخرى بتكتيكاته المعتادة في إنفاق المال وتنظيم حملات تشويه، والتحالف مع أي شخص ضد تركيا وقيادتها. وينبغي النظر إلى الدعاية التي حصل عليها في وسائل الإعلام الغربية في هذا السياق. إن اعتبار نفسه كبديل معتدل عن التطرف الديني ليس له مصداقية في تركيا أو في بقية العالم الإسلامي.

يمكن لاي شخص أن يقول بأن أي محاولة انقلاب من شأنها أن تزعزع استقرار أي بلد وتدمر اقتصاده وتقسم مجتمعه، إلا أن تركيا اليوم أقوى واكثر صموداً. بعد فقط ستة اسابيع من محاولة الانقلاب في 15 تموز، شنّت تركيا هجوماً كبيراً على ارهابيي «داعش» في سوريا وواصلت مشاريع البنية التحتية الضخمة ومشاريع التنمية والاصلاحات الاقتصادية وعدّلت دستورها للمرة الاولى على الاطلاق بتصويت شعبي. إن حالة الطوارئ المعلنة للقضاء على منظمة غولن والمنظمات الارهابية الاخرى من مؤسسات الدولة لم تضرّ بالاقتصاد ولم تعرقل مسار الحياة اليومية. من السياسة إلى الاقتصاد، تركيا أقوى وأكثر اتحاداً من أي وقت مضى.

أخيراً وليس آخراً، أود أن أعبّر مجدداً عن تقديرنا وامتناننا للحكومة اللبنانية، للقادة السياسيين والشعب اللبناني لما قدموه من دعم وتضامن لتركيا مباشرة بعد محاولة الانقلاب التي جرت في 15 تموز.

وفي ظل هذه الخلفية يحتفل الشعب التركي اليوم بالذكرى الاولى لـ »يوم الديمقراطية والوحدة الوطنية» كدليل على تفانيه والتزامه بالديمقراطية وسيبقي دائماً ذكرى شهداء 15 تموز على قيد الحياة.

(*) سفير جمهورية تركيا في لبنان