محاصرة للمقاتلين الأجانب عبر لبنان وسوريا
تركيا تنتظر من إيران حواراً مرناً
تنشّط تركيا تحالفها مع المجتمع الدولي لمحاربة الإرهاب المتمثل آنيا بتنظيم «داعش» وبجميع التنظيمات المنبثقة من فكر «القاعدة». وتتظهّر الاندفاعة التركية في انتفاء التردد بالإسهام في الضربات الجوية للتحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتّحدة الأميركية. وشكّلت زيارة المبعوث الرئاسي الخاص للتحالف الدولي لمحاربة الإرهاب الجنرال جون آلن (منذ 3 أسابيع) الى أنقرة نقلة نوعية شجعت الحكم التركي على اتخاذ مبادرات جديدة في هذا الخصوص. فقد أقرّ الطرفان سلسلة تدابير لم يكشف عنها، لكنّها، وبحسب أوساط تركيّة مطلعة، تشكّل تبدّلا جذريا في الإستراتيجية التركية لمحاربة «داعش» وجميع المنظمات الإرهابية التي تنتمي الى فكر منظمة «القاعدة».
ويعتبر تفجير سوروتش الإرهابي (في 20 الجاري) الذي أوقع 32 ضحية ومئات الجرحى في مجمّع ثقافي على الحدود مع سوريا منعطفاً رئيسيا آخر في كيفية مقاربة تركيا لـ «داعش»، بعدما اتهمت مرارا (حتى من الأحزاب التركية المناوئة لـ «حزب العدالة التنمية») بأنها تغضّ الطرف عمداً عن حركة المقاتلين عبر حدودها المشتركة مع سوريا.
ولعب الانقلاب في موازين القوى في البرلمان التركي، المنتخب حديثا، دورا في جعل سياسة الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان أكثر اتزانا، فاتبع سياسة أكثر تشددا تجاه تنظيم «داعش»، وعكف على ملاحقة أتباعه واعتقالهم بدءا من اسطنبول وصولا الى الحدود السورية. وما حدا بأردوغان في اتباع هذه السياسة أيضا هي الضغوط الأوروبية على حكمه لمكافحة مرور المقاتلين الأجانب من أوروبا الى سوريا.
تدابير داخلية لمكافحة الإرهاب
بعد أيام من تفجير «سوروتش» لا تزال السلطات التركية الرسمية تفكّك «شيفرات» الرسالة الداعشيّة الإرهابية محاولة فهمها أكثر، خصوصا أنّ وقع الصدمة كان كبيرا نظرا الى عدد الضحايا الشباب الذين كانوا متجمعين في المركز الثقافي في شمال كوباني البلدة الحدودية التي تبعد 10 كلم عن الحدود السورية. يرى الأتراك في هذا العمل الإرهابي رسالة قوية جدّا للأكراد وللحكومة التّركيّة وللعالم وللتحالف الدولي. فالتفجير «تحذير مؤلم وتراجيدي وهو الأشدّ منذ بدء الأزمة السوريّة»، بحسب تعبير أوساطهم، وهو تلا سلسلة هجمات لـ»داعش» منها خطف لـ46 من أفراد الطاقم الديبلوماسي التركي في الموصل ثمّ تمكّن الحكومة التركيّة عبر مفاوضات سرّية من تحريرهم في غضون 100 يوم، فضلا عن هجمات أخرى أقلّ وطأة داخل الأراضي التركية.
ردّة الفعل التركية الأولى ستكون تشديد الأمن الحدودي أكثر مع سوريا حيث تبلغ الحدود المشتركة 940 كلم ومع العراق 360 كلم. علما بأنّ ضبط الحدود مع العراق يبدو أشدّ صعوبة بسبب طبيعتها الجبليّة. أما مشكلة الحدود السورية التي تسودها السهول فتكمن بوجود معابر غير شرعية يستفيد منها المهربّون، وكانت أنقرة قد بدأت بمراقبة هذه الحدود حيث ثبّتت مراكز حدودية وأغلقت بعض المعابر وتركت بعضها الآخر مفتوحا أمام النازحين، وسيضيّق تفجير سوروتش حركة المرور على هذه المعابر بشكل أكبر.
تدرك الحكومة التركية برئاسة أحمد داود أوغلو أنّ سياستها المتشددة تجاه تنظيم «داعش» ومداهماتها اليوميّة للخلايا الجهادية في اسطنبول وتوقيف عدد كبير من الأشخاص وانخراط تركيا كجزء من التحالف الدولي ضدّ «داعش» ثمّ اللقاءات الرسمية التركية الأميركية ومنها زيارة الجنرال آلن واجتماعه بنائب وزير الخارجيّة التركي وما ترتب عن هذا الإجتماع من إعادة نظر جذرية بمكافحة تنظيم «داعش»، كلّ هذه العوامل المستجدّة أثارت ردة فعل عنيفة من التنظيم.
كذلك تندرج التدابير العسكرية السابقة للتفجير ومنها انتشار القوات التركية المكثّف أخيرا على طول الحدود السورية ضمن حماية الحدود ولا تنمّ عن أي قرار تركي بالتدخل العسكري المباشر في حرب سوريا. وأخيرا نشّط الأتراك عمليّة تبادل المعلومات مع بلدان الجوار، ومنها لبنان، بغية مراقبة حركة مرور الشباب عبر الحدود التركية، ما مكّن السلطات المختصّة من السّيطرة أكثر على المعابر مع سوريا، وتبرز الإحصاءات الرسمية انخفاضا ملحوظا في عدد المقاتلين الأجانب الذين يحاولون الدخول الى سوريا للقتال بسبب تدابير مشددة منها الاعتقال والترحيل.
وتضيّق السلطات التركية أيضا على نشاط بيع النفط الى «داعش» عبر المهرّبين، لكنّ الحدود الطويلة مع سوريا تصعّب المهمة، وقد اكتشف الأتراك أخيرا شبكة أنابيب تجتاز الحدود لنقل النفط بصورة غير شرعية فقامت بإزالتها فورا.
لا ينظر الأتراك الى النازحين السوريين بعين التشكيك وقد بلغ عددهم مليون ونصف المليون، مع تنبه السلطات الى إمكانية خرق هؤلاء من قبل متشددين، لكّن هذه الخروق المحتملة تبقى استثناء كما يحدث في لبنان، ويمكث النازحون السوريون في مخيمات (حوالي 220 ألف نازح) في حين يتوزّع الباقون على الأراضي التركية.
انفتاح ديبلوماسي ورصد لإيران
هذه الحركة التركية الداخلية وعبر الحدود، يواكبها انفتاح أكبر على التعاون مع دول الجوار. وإذا كان الأتراك قد جاهروا سابقا برفضهم الانضمام الى أي محور مذهبي سنّي (السعودية مصر تركيا) فإنّ الأبواب مفتوحة اليوم ليس لمحور مذهبي بل عسكري ضدّ الإرهاب، قد يضمّ إيران ولو أن هذه الفرضية لم تبتّ لغاية اليوم من قبل السلطات التّركيّة.
هنّأت الحكومة التركية إيران بإتمامها الاتفاق النووي مع الدول السّت واصفة إياها بـ «الخطوة المتقدّمة»، ويذكّر المسؤولون الأتراك بالمبادرة التركية البرازيلية المشتركة في مجلس الأمن الدولي (منذ 5 أعوام) لتسهيل الاتفاق مع إيران، وقد كان البلدان عضوان غير دائمين في المجلس. ويعتبر الأتراك بأن هذا الاتفاق سينعكس إيجابيا على الأوضاع الإقليمية شرط رصد رؤية إيران لعلاقتها ببلدان الشرق الأوسط، وقد حملت تهنئة وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو مغزى حين تطرّق الى أهمية التطبيق الدقيق لهذا الإتفاق، قائلا إن تركيا تنتظر من الأصدقاء الإيرانيين موقفا إيجابيا ومرنا في ما يخص ملفات المنطقة. يعني هذا الكلام أن أنقرة تنتظر من إيران القيام بحوار متقدم مع دول المنطقة وإسهامها في إخماد الحرب السورية. وهل من تبديل في الرؤية التركية للحل في سوريا؟ تقول الأوساط التركية بأنّ المعطيات الحالية لا تشي بذلك، لكنّ اي تبدّل يتعلّق برؤية الحكومة الجديدة التي ستشكل، خصوصا أن مكوناتها ستتميّز بالتنوع السياسي، علما بأنّ الرئيس المكلّف أحمد داود أوغلو يتمتّع بمهلة 45 يوما لتشكيلها وإلا ستتجه تركيا الى انتخابات برلمانية جديدة في تشرين الثاني المقبل.