لن يفرح احد لتورط آل سعود في اليمن، بقدر ما يعيش هذا الشعور فريق «الاخوان المسلمين» في وجهه التقليدي. وهو فريق له تنظيماته المتعددة، وله حكوماته، وله داعموه، وله انصاره في التيارات القومية العربية واليسارية. واذا صح اعتبار المنتمي الى هذه الجماعة لم يعد يتحلى بكل الصفات التي انتقاها لنفسه عقائديا، فان الحقيقة الاقوى، هي في موقف هؤلاء جميعا من العدوان على اليمن اليوم.
من اعتقد ان حرب آل سعود يمكن آخرين الاستثمار فيها، خرج من وهمه سريعا. ومثلما تسارع الهروب من مسؤولية هذه الحرب، من قبل دول وجماعات، فإن «الاخوان» يواجهون مشكلة مستعصية. فهم في قلب الحدث اليمني. وصعوبة موقفهم، انهم يريدون حكما يمنيا لا غلبة فيه لـ»أنصار الله»، لانهم يرون في هذه الجماعة خصما عقائديا وسياسيا ومذهبيا وسياسيا وحتى اجتماعيا، كما انهم لا يريدون ان تكون هزيمة «أنصار الله» على يد مملكة آل سعود، لانها تمثل لهم، الشر بعينه. وهم لا يقوون على مقاومتها الان. وربما يكون الانسب لهم، ان يحقق العدوان نتائج من نوع مختلف. يعني ان يتعرض انصار الله لضربة موجعة تجعلهم طرفا غير حاسم في امور اليمن، وان يتعرض آل سعود لضربة تمنع عنهم دور الوصاية. وكل صلوات «الاخوان» الان، تنتهي بمناجاة الله: «اللهم اضرب الظالمين بالظالمين، وأعنهم على بعضهم بعضا. ولا تخرج منهم منتصرا في هذه الحرب. اللهم أتح لنا فرصة تسوية نكون فيها شركاء حكميين…آمين»!
معضلة اليمن لا تقفل الباب امام تفاهمات في سوريا اساسها حلف منشود بين «النصرة» و«جيش الاسلام»
غير ان «اخوان اليمن» المتمثلين في حزب «الاصلاح»، لم يمكنهم الوقوف على التل لمراقبة ما يجري. هم اصلا انخرطوا في محاولة اضعاف «أنصار الله»، ثم تحولوا الى طرف في العدوان نفسه، وتحول قسم منهم الى مرتزقة يقاتلون الى جانب المعتدي على بلادهم. وحجتهم استعاروها، إما من المعتدي الذي يقول بانه يقاتل النفوذ الايراني، أو من منافسيهم من قوى الانفصال في الجنوب الذين يقولون بمواجهة «غزو الشمال»، او من خصومهم في التيارات السلفية الدعوية او الجهادية من الذين يقولون إنهم يقاتلون روافض اليمن!
في كل الحالات، يخوض حزب «الاصلاح» معارك الاخرين، لكن بدمه وعلى ارضه. وهو لا يثق مطلقا بأنه سوف يحصل على جوائز اساسية ولا على جوائز ترضية. أما انسحابه من المعركة نهائيا، فيعني له، وهو محق، الانهيار التام، لأن جمهوره سوف يعود الى حيث يناسبه، من اطر قبلية وعشائرية تجعله في موقف مختلف، او الى عناوين جهادية ترميه في حضن «القاعدة».
لكن رعاة حزب «الاصلاح» في الخليج والاقليم، يريدون من الحرب نفسها الشيء الآخر. صحيح ان تركيا وقطر لا تمانعان دعاء «اخوان» اليمن، وان تكون هناك تسوية تعيد لـ»الاصلاح» حضورا جديا في المشهد السياسي الجديد، لكن لهاتين الدولتين، هواجس اخرى. صحيح انهما لا تمانعان خسارة لحلفاء ايران في الجزيرة العربية، لكنهما في الوقت نفسه، لا تتحملان مطلقا، انتصاراً لآل سعود، كما لا ترغبان في اعادة تكوين قيادة جديدة للتحالف العربي المواجه لمحور المقاومة في المنطقة، وخصوصاً أن أنقرة مرتاحة الى غياب القيادة العربية النافذة، وقطر، ما كانت لتحلم بدور وموقع إذا قامت صيغة من الاشراف المصري ــ السعودي على الجامعة العربية وآليات عمل العرب في المناطق الساخنة الاخرى.
وبالتالي، فان حصيلة الموقف التركي ــ القطري ــ الاخواني، تصب في خانة وحيدة: كيف يمكن استخدام نموذج العدوان على اليمن، في معاركهم الناشطة في العراق وسوريا؟ وهل بالامكان ان تستغل الدولتان انشغال العالم في ازمة اليمن، وتنجحا في تركيب واقع ميداني في العراق وسوريا، يتيح لهما في وقت لاحق تحويله الى ارضية تتناسب وشعار «شن عاصفة» على سوريا؟
جل ما يدرسه ويناقشه هذا الفريق الان، يتعلق بهذه المهمة حصرا. وفي السياق، يعمل على مقايضة آل سعود، بأن يقدّم الدعم ولو الشكلي لعدوانهم على اليمن، لقاء توافقات ميدانية تتعلق بالاشراف على قوى المعارضة المسلحة في سوريا. وهذا الفريق مستعد على ما يبدو لعقد تسويات، شرط الا يبقى خارجا إلا تنظيم «داعش»، باعتبار ان الاخير غير معني بالدخول في تفاهمات شاملة اليوم، بقدر ما هو يستفيد من التعبئة المواجهة لايران وسوريا في سوريا وفي العراق، لكن جوهر المهمة التركية- القطرية – الاخوانية، يكمن في كيفية خلق قوة تجمع «جبهة النصرة» و»جيش الاسلام» و»ألوية» اخرى، سواء من خلال غرفة عمليات على شكل «جيش الفتح»، او من خلال أطر اخرى، وان يكون التنسيق فعالا ومنسقا من جنوب سوريا الى شمالها، مع تركيز خاص على محيط دمشق.
هذا يعني، ان سوريا تنتظرها معركة كبرى!