لا يمكن تصور تركيا من دون جيش قوي. للمرة الأولى في تاريخها الطويل يبدو الجيش التركي الذي يعد السادس عالميا، وقد فقد ميزة القوة. كشفت المحاولة الانقلابية وحملة التطهير الجارية بعدها الخلل الكبير داخل هذا الجيش الجبار.
منذ السلطنة العثمانية كان الجيش التركي عصا امبراطورية غليظة امتدت سطوتها الى عمق أوروبا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وبعد انهيار السلطنة اثر الحرب العالمية الأولى وانحصار دوره المباشر داخل الأراضي التركية، بقي هذا الجيش عصا يلوح بها من بعيد في وجه دول الجوار، حتى أن سوريا بالذات لم تكن أنظمتها المتعاقبة تخشى إلا هذا الجيش المنتشر على حدودها الشمالية.
خاض الجيش التركي منذ زوال السلطنة أربعة انقلابات ناجحة، وحكم جنرالاته البلاد فترات طويلة تحت لافتة «الفساد السياسي». اهتزت عروش الحكام مرة تلو أخرى من دون أن يهتز جسد العسكر مرة واحدة. إلا أن المحاولة الانقلابية الأخيرة هزت كيان هذا الجيش، وطرحت أسئلة كثيرة حول مستقبل تركيا ودورها في المنطقة والعالم.
كانت لهذا المآل مقدمات..
من الأساس، أدرك «حزب العدالة والتنمية»، خطورة الجيش القوي المتفلت من عقال السلطة السياسية. وعليه أنشأ رجب طبيب أردوغان جيشا موازيا ظهرت أهميته في المحاولة الانقلابية الأخيرة. وتدلل حملة التطهير الواسعة التي يقوم بها أن مخططا كان قد أعد سلفا، وينتظر اللحظة المناسبة. لكن حزب العدالة والتنمية يعرف جيدا أن تركيا بلا جيش قوي، هي تركيا بلا أنياب، وأن الدور الخارجي الذي يطمح اليه زعماء الحزب ومنظروه سوف ينحسر بصورة واضحة. وبالتأكيد لن يزعج هذا الأمر دولا كبرى في العالم والمنطقة ايضا.
اللافت للانتباه لبنانيا، هو الصمت المطبق الذي تعاطى فيه «حزب الله» مع هذا الحدث. ليس موقف ايران الرافض للانقلاب العسكري هو السبب الوحيد. لقد اعتاد الحزب ألا يؤثر قطع رؤوس الخصوم بلا أفق وبلا بدائل أفضل. سياسته الداخلية في لبنان تؤكد ذلك أيضا. فالخصم الذي تعرفه جيدا يبقى أفضل وأسلم من الدخول في فخ التجارب.
إن تركيا بعد المحاولة الانقلابية لن تكون بالتأكيد كما كانت قبلها. ولأن الدور الخارجي التركي الى انحسار لن يكون الوضع في سوريا والعراق هو نفسه، وبالتأكيد فإن لبنان كذلك.
أفضل أم أسوأ؟..
هذا هو السؤال. ثمة قوى كبرى تدرس وتخطط لمرحلة ما بعد الحدث التركي. فلننتظر ونر قبل السقوط في فخ التحليل والتنظير.