IMLebanon

تركيا التي تتحرك

قد يكون التفويض البرلماني التركي الذي سيسمح لأنقرة بالتصرف «لمواجهة كل التهديدات والمخاطر المحتملة» في سوريا اساساً (وفي العراق استطراداً) واحداً من أهم القرارات الخارجية المتعلقة بالوضع السوري.. بل ربما يوازي في أهميته قرار الرئيس الأميركي باراك أوباما بناء الائتلاف الدولي لمحاربة الارهاب المعنون راهناً بـ»داعش» و»النصرة».

بل يتبين، ان التشريع التركي هو وليد القرار بتشكيل الائتلاف. لولا الثاني ما كان الأول ممكناً.. بحيث ان تركيا انتظرت طويلاً ترجمة مواقفها من الوضع السوري الى أفعال، حتى بدا انتظارها دليلاً على عجزها اكثر من كونه تأكيداً لقوتها، أي ان حجم ما «فعلته» على مدى الفترة الماضية لم يتناسب اطلاقاً مع ما «قالته» حتى صار الانطباع راسخاً (تقريباً) بأنها تحكي كثيراً لأنها عاجزة أكثر.. وهذه في حسابات الدول وأوزانها ومصالحها، لعبة خطيرة وأثمانها فادحة.

.. لكن يتبين (مبدئياً) ان الارادة التركية بالتحرك إزاء ما يجري في الجوار السوري، كانت تصطدم بحسابات اميركية أوروبية أكثر مما كانت تعبيراً عن عجز ذاتي. وعندما تغيرت تلك الحسابات، بدأت تلك الارادة تتحرك وتدبّ على الارض، بغضّ النظر عن المديات التي سيصل إليها ذلك الدبيب والحسابات التي ستتحكم به.

واللافت في الأمر، هو أن موقف أنقرة بقي كما هو في حالتي الجمود والتحرك، أي انه لم ينزل تحت سقف المجاهرة بعبث أي محاولة للحل مع سلطة بشار الاسد، بل أبرز شروط نجاح اي حل هو اعتبار الاسد حرفاً ناقصاً لا يفيد ولا يركب في أي جملة لها علاقة بسوريا ومستقبلها، وهذا ما أُعيد تكراره والتشديد عليه بالأمس تحديداً على لسان الرئيس رجب طيب أردوغان.

والحال ان تركيا هي الجهة الوحيدة القادرة على التحرك الميداني في سوريا، في ضوء القرار المتخذ من أوباما والتحالف الدولي باقتصار الحرب على القصف الجوي وعدم انزال قوات مشاة على الارض.. وتحركها بهذا السياق سيكمل مسرح العمليات الناقص: القصف الجوي وحده لن يقضي على الارهاب، مثلما يعتبر معظم المعنيين، والتعويل هو على دور ميداني متمم يفترض ان تلعبه الفصائل المسلحة التي شكلت النواة الأولى للقوى المواجهة للآلة العسكرية الاسدية، لكن هذه في طور اعادة التأهيل والتفعيل، فيما الحرب شغّالة وخطوطها تتحرك ولا تحتمل الانتظار!

بهذا المعنى تتحرك تركيا، وستتحرك ميدانياً لتغطية النقص في مقوّمات الحرب الناجحة، لكنها تفعل ذلك لأن مصلحتها الاستراتيجية تقتضيه ان كان لجهة الوضع الكردي، او لجهة اعباء النازحين، او لجهة لجم تأثيرات النار السورية على الداخل التركي، أو لجهة مواجهة الارهاب وامتداداته وتأثيراته واشعاعاته، ثم بعد ذلك كله تأتي الاعتبارات التي تتشارك فيها مع معظم دول الارض، ناقص إيران وروسيا، والتي تعتبر ان نكبة شعب سوريا قاربت المستحيل إنسانياً وأخلاقياً ودينياً، وصار السكوت حيالها عنواناً رديفاً للعار المصفّى!

… ثم بعد، فان موقف أنقرة هذا فيه من مقومّات الصحّ ما يمكن توظيفه لتعويض مقومّات الخطأ في سياساتها إزاء الوضع المصري أولاً وإزاء علاقاتها الملتبسة مع بعض الدول العربية ثانياً.. لكن في الاجمال، مهم جداً، أن تكون تركيا في جهة، وإيران في جهة ثانية! أم ماذا؟!