Site icon IMLebanon

تركيا مع السلطان السابع والثلاثين

لا يمكن التعاطي مع الوقائع المعقَّدة بأفكار بسيطة، هذا هو واقع التعاطي مع ما يجري في تركيا منذ يوم الجمعة الفائت، لكنَّ الغوص في التاريخ يجعل اعتبار ما يجري بأنه فصل صغير من تاريخ السلطنة.

تركيا هي قلب السلطنة العثمانية، التي دامت أكثر من خمسمئة سنة، وتوالى على حكمها 36 سلطاناً، وامتدت جغرافية حكمها على أراضٍ من ثلاث قارات هي آسيا وأوروبا وأفريقيا، وبعض هذا الإمتداد كان بالتزامن مع اكتشاف أميركا.

***

وإذا كان مرَّ على السلطنة العثمانية ستة وثلاثون سلطاناً، فإنَّ الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان يعتبر نفسه، أو يعتبره أنصاره السلطان السابع والثلاثين، وهل يجوز الإنقلاب على السلطان؟

من هذا المنظار يجب النظر إلى ما يجري في تركيا، ولأنَّ الأمر كذلك فإنَّ التطورات التي شهدتها هي القاعدة وليست الإستثناء، ومَن يعود قليلاً إلى الوراء يتأكد أن الدموية تأتي قبل الديمقراطية في السلطنة الحديثة.

منذ انكفأت تركيا إلى حدودها الحالية مطلع القرن الماضي، بعد انهيار السلطنة عام 1922 إثر انتهاء الحرب العالمية الأولى، وهي لا تعرف الهدوء. أما الإنقلاب الأول فكان في ستينيات القرن الماضي، وتحديداً في أيار من العام 1960، حين انقلب العسكر على الرئيس، وكان الإنقلاب مكلفاً جداً، ومن فلفشة أوراق تلك المرحلة، يتبيَّن التالي:

إعتقال الرئيس ورئيس الوزراء والوزراء ورئيس الأركان في الجيش.

إرغام مئتي ضابط برتب عالية، وأكثر من 300 ضابط برتب متوسطة، على التقاعد.

إقالة 500 قاضٍ ومدَّعٍ عام و1500 من الأساتذة في الجامعات.

ومن سوء المعاملة، انتحر وزير الداخلية أثناء احتجازه في الأكاديمية العسكرية التركية.

وبعد عام ونيف على هذا الإنقلاب، عمَد قادته إلى إعدام الرئيس ووزيري خارجيته وماليته، وعدد من المسؤولين المدنيين.

***

الإنقلاب الثاني حصل بعد عشرة أعوام، في ربيع العام 1971، وقد أُعلنت أثناءه الأَحكام العرفية في 11 مقاطعة وتم حظر المنظمات والجمعيات والإضرابات وحتى الإجتماعات العادية.

***

أيضاً، بعد نحو عشرة أعوام، وتحديداً في كانون الأول من العام 1980، وقع الإنقلاب الأكثر دموية في تاريخ تركيا، وقامت به مجموعة من الضباط لحماية ما وصفوه بالمبادئ الأساسية لمصطفى أتاتورك.

وخلال الثلاث سنوات الأولى من الحكم العسكري بعد الإنقلاب تم إعدام 50 شخصاً واعتقال 650 ألف شخص ومحاكمة الآلاف، ووقوع 299 حالة وفاة بسبب التعذيب، و30 ألفاً فضلوا المنفى، واختفى كثيرون آخرون، وكان ثالث انقلاب تشهده تركيا خلال 20 عاماً بعد انقلاب 1960 وانقلاب 1971. شكل هذا الإنقلاب ملامح البلاد لثلاثة عقود. إلى أن تبدَّل الحكم وبدأت مرحلة حزب العدالة والتنمية.

***

بعد هذه القراءة لنحو نصف قرن من الإنقلابات، فإنَّ ما يجري اليوم في تركيا يبدو عادياً في تاريخ ذلك البلد:

فقد بلغ عدد من اعتقلتهم السلطات أو أوقفتهم عن العمل أو طردوا من المؤسسات الحكومية نحو 50 ألف شخص، كما سُحبت تراخيص أكثر من محطة تلفزيونية وإذاعية.

لكن ما هو مؤكد أنَّ تركيا دخلت مرحلة جديدة، وقد تكون أدخلت المنطقة معها في مرحلة جديدة.