IMLebanon

تركيا تحلم: رحيل الأسد… وترحيل الأكراد!

 

توقّفت مراجع ديبلوماسية أمام مسلسل الاعتذارات الذي بدأه نائب الرئيس الأميركي جو بايدن من أنقرة ثمّ أبو ظبي فالرياض، في انتظار أن يطاول الدوحة. فرأت فيه انعكاساً لفشل وزير الخارجية جون كيري في تشكيل حلف دولي متماسك وفعّال ضد “داعش”، في ظلّ عجز دول الجوار السوري عن تقديم ما يُعزّزه، إذ لكلّ منها قدراتها وظروفها ومصالحها. فما الذي تريده أقواها تركيا؟

لم تُفاجَأ الدوائر الديبلوماسية بهشاشة موقف تركيا وتريّثها في حسم مواقفها ممّا تشهده حدودها. فالحلف الدولي الذي عجز عن تحديد ساعة الصفر للمرحلة الثانية بالإنتقال من الضربات الجوية الى العمليات البرية، انتظره العالم طويلاً ليُعبّر عن رد فعله بالمنطق العسكري على قيام “داعش”، فشكّلَ امتداداً للتردّد الدولي في معالجة الوضع السوري طيلة الأعوام الماضية.

وتلفت تقارير ديبلوماسية متداولة على نطاق ضيّق في لبنان إلى أنّ تأخّر العالم الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية في مواجهة الأزمة السورية تكرَّر مجدّداً في التعاطي مع نشوء “داعش” وسيطرته المفاجئة على ست محافظات عراقية قبل دخول سوريا وإلغاء الحدود بين الدولتين.

وإذا كان السبب واضحاً بالنسبة إلى الأزمة السورية نتيجة التشكيك في قدرة المعتدلين على قيادة الثورة في مواجهة النظام، فما هو مبرِّر التأخير في قراءة الأخطار المترتبة على ظهور “داعش” لو لم يستعجل التدخّل الدولي عندما عمَّم مخاطره على الأقليات في المنطقة وصولاً إلى العبث بحياة أسراه الأميركيين والأوروبيّين بعد التهديد المباشر لإقليم كردستان.

وهو أمرٌ أنتجَ يقظة متأخّرة لظاهرة “تفقيس” المنظمات المتطرفة التي شكّلت تهديداً مزدوجاً للثورة السورية والعراق والمصالح الغربية، وباتت عنصر دعم للنظام السوري، فجاءته بعملياتها كهديّة على طبق من ذهب للاستمرار بكل ما قام به وصولاً الى سعي حلفائه الدوليّين للإعتراف له بدورٍ ما في مكافحة الإرهاب.

وعليه، تقول التقارير إنّ الحلف الجديد اصطدم عند قيامه بمواقف متردّدة من دول الجوار السوري، الأمر الذي عطّل البحث حتى اليوم عن الخطط الميدانية التي ستلي الضربات الجوّية، وسط اقتناع بأنّ هذه الضربات مهما كانت كثيفة ودقيقة لن تقضي على “داعش” وقدراته العسكرية والمادية، ما لم يأتِها جرف من الأرض.

وتضيف التقارير أنّ التضارب في مصالح أطراف الحلف الدولي وخصوصاً تلك التي تجمعها حدود مشتركة مع سوريا، شكّل الخاصرة الرخوة في المواجهة، فجعلها أكثر غموضاً، وهو واقع لا يحتاج الى أدلّة كثيرة.

وتكفي الإشارة الى التردّد الأردني في التعاطي مع الأزمة السورية مباشرة. وتراجع لبنان عن توقيع بيان جدّة ومؤتمر باريس كان كافياً لشطبه من دول المواجهة، فيما العراق غارق في حروبه الداخلية ولا قدرة له على التدخل لتغيير الوقائع في سوريا.

لذلك، كان من الطبيعي الإنصراف الى قراءة موقف أنقرة الملتبس. فتركيا دولة اساسية انضمَّت الى الحلف في توقيت دقيق أعقَب إقفال ملف مخطوفيها الديبلوماسيين في الموصل، على خلفية يربطها البعض بتسهيل سيطرة “داعش” على المناطق الكردية في الشمال السوري. فهي لم تتنكّر يوماً لرغبتها في إنهاء أيّ كيان كردي على حدودها.

ثمّة مَن يعتقد أنّ تركيا موجودة اليوم في الموقع الذي يحتاجه الحلف الدولي أكثر من أيّ دولة أخرى، ويعترف لها بقدرتها على استنزاف الأطراف كافة. فهي عبَّرت عن رغبتها في إسقاط نظام الأسد ولن تشارك في أيّ عملية برّية ما لم يتَّخذ الحلف الدولي مثل هذا القرار الذي يبدو أنّه مؤجّل، ولن ترفض ما يفعله “داعش” في القضاء على الوجود الكردي على حدودها. فلماذا تستعجل وقف الحرب.

لذلك تعترف التقارير الديبلوماسية بأنّ أمام تركيا الوقت الكافي للتفاوض مع الحلف قبل القيام بأيّ عمل ميداني، لأنّ الوقت من مصلحتها. فهي تراقب ما يحصل في بلدة “عين العرب” بعد تهجير الأكراد من محيطها، وحصرت تحذيراتها بعدم الإقتراب من ضريح السلطان سليم الذي حيّدَه “داعش” حتى الآن، ليس لهدف سوى التخفيف من الحرج التركي في حال اقتربت من حاميته.

وإلى أن تتغيّر المعطيات وجبَ الإعتراف، وفق التقارير عينها، بأنّ تركيا التي تريد إسقاط الأسد تنتظر إجماعاً دولياً يدعمها ويكلفها المهمة، وإن طال رد الجواب، فهي لن تنزعج. إذ إنّ “داعش” يتولى في هذه الأثناء تنفيذ ما أرادته في المناطق الكردية لتحقّق حلماً من اثنين: ترحيل الأكراد أو رحيل الأسد.