بدأت تتكشّف يوماً بعد يوم خفايا محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا ضد الرئيس رجب طيّب أردوغان، واسرارها وابطالها واسبابها، وما يمكن ان تخلّف من نتائج على النظام التركي الذي اهتزّ ولكنه لم يقع، ويعتقد كثيرون من المحلّلين الاستراتيجيين الغربيين، يعرفون جيداً طموحات اردوغان بأن يكون السلطان العثماني في القرن الواحد والعشرين، ولكنه، وفق هؤلاء، سيلاقي صعوبات كبيرة في تحقيق حلمه، لأن تركيا حسب قراءتهم ذاهبة الى حقبة من السجون والدماء والقتل، خصوصاً اذا استعمل اردوغان القضاء ومجلس النواب والدين، لتصفية خصومه الكثر، وفي مقدمهم الملياردير السبعيني فتح الله غولان، السنّي الصوفي والحليف السابق لاردوغان، والذي تخلّى عنه لمصلحة مدير جهاز الاستخبارات حقان فيدان، وغولان يتمتع بشعبية كبيرة بين الضباط في الشرطة والجيش وبين الجنود ايضاً، ويلتفّ حوله فريق كبير من السياسيين ورجال الأعمال والفنانين والاعلاميين، ويتمتع بحماية الولايات المتحدة الاميركية، واي عملية استئصال لهؤلاء ولغيرهم من معارضي اردوغان، ستكون لها ردود فعل داخلية وخارجية، لن يسلم منها اردوغان، حتى ولو نفّذ تعهّده للولايات المتحدة الاميركية وروسيا، بأنه سيجرّد حملة كبيرة ضد تنظيم «داعش»، حتى ولو اضطر الى استخدام اسلحة محظرة دولياً، وينقل عن ديبلوماسي فرنسي ان المملكة السعودية وافقت على استعمال جميع الاسلحة ضد «داعش» بشرط انسحاب حزب الله وايران من سوريا والعراق.
في العودة الى الانقلاب، كشف تلفزيون الجزيرة نقلاً عن صحيفة تركية، ان اوميت دوندار قائد الجيش الاول، الذي عيّنه اردوغان رئيساً لهيئة الأركان بالوكالة، بعد اعتقال رئيس الاركان خلوصي أكار، على يد الانقلابيين، كان له الدور المؤثر في فشل الانقلاب، عندما اتصل هاتفياً باردوغان في فندقه بمنتجع مرمريس وابلغه بالانقلاب، وطلب اليه ان ينتقل الى اسطنبول حيث يتمتع حزب العدالة والتنمية بشعبية طاغية، ليست له في انقرة، وأمّن له طريق الوصول والاقامة، والاتصال بأنصاره وبالقطعات غير المشاركة في الانقلاب، وذكرت الجزيرة ان قوّة خاصة معززة بطائرات هليكوبتر اقتحمت الفندق بعد اقلّ من ساعة على مغادرة اردوغان.
* * * * *
النظام الديني التركي بقيادة اردوغان الذي حقق الكثير على الصعيدين المالي والاقتصادي، كان محطّ احلام المسلمين السنّة بأنه سوف يصالح الدين مع الحداثة، ويكون رائد الديموقراطية والحريّات في الدول ذات الاكثرية السنّية، لكن طموحات اردوغان الشخصية ونزعته نحو التسلّط والوحدانية، افشلت هذا الحلم، حتى ما قبل حصول المحاولة الانقلابية حيث ضيّق الخناق على الصحافة والاعلام، وأقام اجهزة بديلة من الشرطة والمخابرات، ولاحق الفنانين الاتراك، حتى الى خارج تركيا، وسرّح الالاف من خصومه في الادارة العامة، وفي القضاء، واذا كان بعد المحاولة ينوي الاستمرار في تصفية خصومه، ويغوى احياء عقوبة الاعدام، فان المعارضة التي وقفت ضد محاولة الانقلاب وشجبتها، وفق المراقبين الغربيين، لن تكون بعيدة عن توحيد صفوفها مع مَن يتبقى من انقلابيين ما زالوا في الداخل واولئك الذين هربوا الى الخارج، وامكان ان يغلق الاتحاد الاوروبي باب الدخول اليه، قياساً على مواقف المانيا وفرنسا وعدد من الدول الاوروبية التي دعت اردوغان الى حماية الحريات الشخصية واولها حرية الرأي، وعدم العودة الى عقوبة الاعدام.