الشخصيات المثيرة للجدل مثل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تتيح للمحللين السياسيين ولقراء الفنجان السياسي، الذهاب في اتجاهات عديدة وأحيانا متناقضة في تفسير مواقفه وتصريحاته وأهدافه. وكان هذا يحدث، عندما كان أردوغان مرتاحاً في مسيرته، ويتابع الصعود الى حين وصوله الى قمة هرم السلطة… فكيف اليوم، وقد بدأت المصائب تتساقط على رأسه من كل حدب وصوب، وكان آخرها ما جرى من محاولة انقلابية عسكرية فاشلة. وشخصية أردوغان نفسه معقّدة وغير بسيطة، وغالباً ما تسعى الى تحقيق أهدافها بالوسائل الصعبة والالتفافية الطويلة، بدلاً من اعتماد طريق الخط المستقيم الذي هو الأقصر بين نقطتين…
***
هذا ما يفسّر اللغط السياسي والاعلامي في أوساط المراقبين والمحللين حتى على المستوى الدولي في النظر الى الاستدارات المفاجئة التي يقوم بها الرئيس التركي، وهو المعروف بأنه من الشخصيات التي لا يمكن التنبؤ بردود أفعالها حيال الأحداث الطارئة أو المبهتة. وكان آخرها ما أثير حول اللقاء الحافل بالموحيات بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس التركي رجب طيب أردوغان في قصر قسطنطين في مدينة سان بطرسبرغ ليننغراد سابقاً! وفي مرحلة أولى، ركّز ما صدر رسمياً عن اللقاء على العلاقات الثنائية بصفة خاصة وتأكيد نيّات توسيع التعاون الى أقصى مداه في التصريحات التركية، وتأكيدها بشيء من التحفظ في التصريحات الروسية…
***
في اليوم التالي، استفاض الجانب التركي بالشرح، وبصفة خاصة بكل ما يتعلق بالشأن السوري، وهو الأمر الذي كان في الأساس هو سرّ الاهتمام الحقيقي، والعميق بهذه القمة الروسية – التركية. وكان أول الداخلين على هذا الخط هو رئيس الوزراء التركي بن علي يلديريم الذي ذهب الى آخر مدى في اشاعة التفاؤل، الى حد الحديث عن تطورات جميلة في سوريا. ودخل بعده على الخط وزير الخارجية التركي مولود جاويش الذي خرج من التعميم الى شيء من التحديد بالحديث آلية ثلاثية مع روسيا في موضوع سوريا. أما المتحدث باسم الرئاسة التركية ابراهيم قالن فأوضح ان هذه الثلاثية مؤلفة من موظفين في الاستخبارات والجيش والسلك الدبلوماسي للعمل على التسوية في سوريا. وأضاف الى ذلك نقطتين لكل منهما امتداداتها وهما: الانتقال السياسي من جهة، والحفاظ على وحدة التراب السوري من جهة ثانية. وذهب في الوضوح أكثر الى حدّ القول ما زلنا نريد رحيله في اشارة الى الرئيس السوري…
***
ما بين التطورات الجميلة في سوريا على لسان رئيس الوزراء، وصولا الى ما زلنا نريد رحيله على لسان الناطق باسم الرئاسة، يبدو ان السياسة التركية في سوريا – بعد لقاء بوتين وأردوغان – قد تحولت الى نوع من السلطة الروسية التي تحتوي على شيء من كل شيء!