Site icon IMLebanon

مشروع تركيا الإقليمي… انتهى؟

المشروع الإقليمي الثاني حديث إذا ما قورن بالمشروع الإيراني. إذ إن “عمره” لا يتعدّى الـ13 سنة في حين أن عمر الأخير تجاوز عقوداً ثلاثة. وصاحبته هي دولة تركيا. وسبب حداثة سنّه يعود إلى أن هذه الدولة مرّت بعهدين، إذا جاز “التبسيط” على هذا النحو، بعد انهيار السلطنة العثمانية في أعقاب هزيمتها المدوِّية أمام ألمانيا في الحرب العالمية الأولى. الأول كان عهد تأسيس دولة تركيا مجددا بجغرافيا جديدة ونظام جديد مناقض للنظام “الديني” المنهار بعلمانيته، وضعه وطبّقه مُطلِقه الضابط في الجيش مصطفى كمال الذي سُمّي لاحقاً “أتاتورك”. استمر هذا العهد عقوداً عدَّة، وتميّز بإدارة ظهره للعرب، وغالبيتهم مسلمة، بسبب “خيانتهم” للسلطنة أو للأمة التركية، كما تميز باتجاهه نحو الغرب. وكان مشروعه الخارجي التحوّل جزءاً منه وتحديداً من أوروبا. ولم يكن ذلك ليخوّل تركيا، في حال نجاحه طبعاً، إلا القيام بأدوار مهمة ولكن في إطار مشروع إقليمي – دولي أكبر زعيمته أميركا والمشتركون فيه أوروبيون بغالبيتهم وأداته “حلف شمال الأطلسي”. وأبرز أهداف المشروع كان مواجهة الاتحاد السوفياتي المنافس – العدو للعالم الحر بزعامة واشنطن في السلم وفي الحرب. وتركيا كانت جزءاً أساسياً في هذه المواجهة.

أما العهد التركي الثاني فقد بدأ مع “حزب العدالة والتنمية”، الإسلامي العقيدة والملتزم استمرار النظام العلماني وديموقراطيته التي حدّت منها بعض الشيء المؤسسة العسكرية، وتحديداً عندما تسلّم الحكم في تركيا عام 2002 ولا يزال فيه حتى اليوم. في هذا العهد بدأت تظهر ملامح مشروع تركي إقليمي، لكنه لم يتبلور يوماً في صيغة نهائية. سمته كانت ولا تزال الإسلامية، أو بالأحرى عقيدته المتعايشة مع علمانية الدولة وديموقراطيتها والمعتدية عليهما عند الحاجة. رسمياً، تمسك الثاني بهدف العهد التركي الأول وهو التحوّل جزءاً من أوروبا بدخول الاتحاد الأوروبي عضواً شرعياً. لكن عملياً لم يكن تمسكه قوياً لأسباب عدة، أبرزها اثنان، الأول خوف أوروبا من تركيا المسلمة العلمانية وازدياد خوفها من تركيا الاسلامية التي ولدت قبل نحو 13 عاماً. والثاني سياسة “حزب العدالة والتنمية”، وتحديداً مؤسسه وزعيمه حتى الآن رجب طيّب أردوغان، التوجه نحو الشرق الإسلامي العربي وغير العربي، وإقامة علاقة جيدة مع دوله وبناء نوع من التحالف تكون تركيا قائدته بسبب قوّتها العسكرية وتحالفاتها الدولية وإسلاميتها وازدهارها الاقتصادي وقدرتها على جذب المنطقة إليها، ولا سيما بعد انتشار التيارات الإسلامية الأصولية فيها. ولهذه الغاية بدأت تركيا تناكف إسرائيل، لكن مع قرار ثابت بعدم الوصول إلى قطيعة كاملة معها، وخصوصاً في المجالين الأمني والاقتصادي. وبنت علاقات جيدة مع الفلسطينيين وخصوصاً حركة “حماس”. واستعملت جذورها “الإخوانية” للتواصل مع “الاخوان المسلمين” العرب وغير العرب، والاعتماد عليهم لكونهم أقدم وأكثر جماعة إسلامية شعبية وتنظيماً من أجل تنفيذ مشروعها الإقليمي الطموح. ويُقال في هذا المجال، بكثير من الجزم، إن الولايات المتحدة لم تمانع في حركة تركيا الإقليمية – الإسلامية، إذ كانت تعتبر “الاخوان” جماعة إسلامية معتدلة، ومنتشرة في دول العالم العربي والإسلامي، وقادرة بالتعاون مع تركيا “حزب العدالة والتنمية” على احتواء “التيارات الإسلامية” فيه، ومنعها من التوجه نحو التطرّف، كما على مواجهة المتشددة منها، بنجاح، لكن المشروع التركي الإسلامي المبارك أميركياً وربما دولياً لم يحقق النجاح حتى الآن. وما شهدته المنطقة وتركيا منذ بزوغ شمس “الربيع العربي”، وبعد تحوّله عواصف مرعبة ومستمرة قبل نحو خمس سنوات، لا يبشّر بنجاحه مستقبلاً أو ربما لا يبشّر بإمكان متابعة السعي لإنجاحه. فالرئيس “الزعيم التركي” الأوحد أردوغان لم يعرف كيف يوظّف مرحلة الصداقة والودّ الكثير مع رئيس سوريا بشّار الأسد من أجل إدخال تحسينات على نظامه يريح السوريين سياسياً واجتماعياً من دون إنهائه. وعلى العكس من ذلك، فقد “نقّزه” عندما اقترح عليه بعد بدء الثورة السورية ضم “الاخوان المسلمين” الى الحكومة. ولم يعرف كيف يدير الصراع السياسي والعسكري معه، فخسره، ثم خسر الرأي العام العربي المسلم والإسلامي والسني لأنه لم ينفّذ أياً من تهديداته لسوريا، وساهم مع دول عربية عدة في ضرب الثورة بعدما تعسكرت، وفي دعم التنظيمات المتطرفة حتى الإرهاب، وفي تقسيم المعارضة السياسية. وانعكس ذلك سلباً على سياسته داخل بلاده، إذ أظهرت نقاط ضعف بنيوي فيها قد يعرّضها مستقبلاً لنزاعات داخلية غير سياسية فقط.

هل هناك مشروع إقليمي ثالث يولد اليوم؟