في كلّ مرّة يدقّ المنبّه التركي، يفيق الوزير الخطير وليد المعلم ويطلق باسم بشار الأسد مواقف تشبه في ضحالتها ضحالة قناعة أحد المسترئسين المحليين عندنا، بأنه منقذ المسيحيين اللبنانيين بل المشرقيين بجملتهم من مخاطر الفناء.. ومنقذ لبنان من شرور الفساد والفاسدين، وناقله الوحيد على مركبات نهجه الاصلاحي الى مراتب الدول المقتدرة والناجحة والمحترمة!
.. المهم ان وزارة خارجية الأسد «حذرت» من أن سوريا ستتخذ «الاجراءات الضرورية» لمنع إقامة منطقة عازلة تسعى تركيا اليها في سياق موقفها المتميز من الحرب على الارهاب وضروراتها ومستلزماتها وشروطها، وفي مقدمها اعتبار اسقاط ما تبقى من سلطة في دمشق أمراً متمماً لإسقاط «داعش» وارهابه وطلاسمه.. ولا سبيل لأي هدف من دون الآخر.
لا يقدم ولا يؤخر في شيء البيان الجديد. بل هو قريب في «فرادته» من ذلك الذي أخرجه وليد المعلم نفسه سابقاً ومحا فيه أوروبا عن خارطة العالم! لكنه مع ذلك يدلّ مرة جديدة، على الفوبيا الأسدية من أي خطوة تركية، أيًّا كان مستواها. لأن قناعة بقايا سلطة دمشق قائمة في مكانها لا تتزحزح: لا خطر خارجياً فعليًّا ممكنا وحاسماً في وجهها إلا ذلك الذي يمكن أن يأتي من الجهة الشمالية.
أنهى تفويض البرلمان في أنقرة سلطة رجب طيب أردوغان اتخاذ ما يلزم لمواجهة المخاطر المتأتية من الجارَين العربيَّين تركيا وسوريا (من سوريا أساساً) قناعة سابقة عند الأسد بأن التحرك التركي ضده مستحيل لاعتبارات كثيرة، لكن تفاصيل وشروط المشاركة في الحرب على الارهاب التي وضعها أردوغان، وأبرزها اقامة منطقة حظر جوي تغطي منطقة آمنة أو ملاذاً آمناً داخل الأراضي السورية في سياق منظومة مواقف لم تتغير أصلاً، وعلى رأسها دمغ هدف محاربة الارهاب بإسقاط الأسد، أدخلت هذا الأخير في دائرة حسابات بالغة الجدية.. وصولاً الى حوافي الهستيريا ذاتها!
لا أحد مثل الأتراك مستعد أو قادر أو قابل لأن يتحرك باتجاه تصويب مسار النكبة السورية للحد من ظلامها ووضعها في مرمى المياه لإطفائها. ولا أحد مثل الأتراك يعرف الأرض وما عليها في سوريا. ويعرف أبوابها الموصلة الى وضع الأسد عند حدّه! وأول وأكثر من يعرف ذلك هو الأسد نفسه. ولذلك يصرخ عبر وزيره الخطير تلك الصرخات اليائسة والبائسة، ويطلق «تحذيرات» تدل بفصاحة ما بعدها فصاحة عن مدى تجذر هذين اليأس والبؤس معاً! المنبّه التركي! أي رنين؟!