Site icon IMLebanon

حدود الأتراك

تبدو تركيا في هذه الأيام وكأنها أمام وضع محرج إزاء تطورات النكبة السورية، لم يسبق له مثيل: إذا استكانت تحت لافتة عدم الانجرار الى وضع تصادمي مع الروس خسرت الأرض والنفوذ في منطقتها الحدودية، وعرّضت أمنها القومي للخطر. وإذا قررت التدخل المباشر تغامر بفتح معركة لا تريدها، مع البلطجي الروسي.

لكن وضعية الإحراج في الحسابات الكبرى تبقى هامشية وثانوية أمام المخاطر ذات الطابع الاستراتيجي لأي دولة. والواضح ان تركيا اليوم تواجه شيئاً من ذلك وعلى مدى حدودها البالغة نحو ألف كيلومتر مع سوريا، بل بما يطال عمقها الداخلي بالذات.

والاستطراد واجب: الأمر الصدامي الكبير نفسه لا تريده روسيا بدورها، ومخطئ من يفترض العكس. أو يظن أن الحروب الكبيرة، تُخاض بين طرفين.. من أجل طرف ثالث! ومخطئ أكثر من يفترض أصلاً أن الروسي جاء الى سوريا وفق أجندة صدامية، مع أي طرف إقليمي أو دولي!

ولتأكيد ذلك، لا بد من الاشارة الى أن موسكو بالأمس تحديداً نفت مشاركة قواتها في المعارك «البرية» في سوريا. وهي في كل حال، ومثلما يعرف الصغير والكبير، جاءت بطائراتها الحربية وآليات الدفاع الجوي عنها، ولم تدّعِ شيئاً آخر.

وبرغم الاحتفالات الطنّانة الرنّانة للمحور الايراني وملحقاته الأسدية بتحرير القدس!! يوم أمس بالذات، فإن الحقيقة التي لا تُنكر تفيد بأن الروس جاؤوا الى سوريا لتحقيق إنجازات لهم وليس انكسارات بسبب غيرهم! وتلك المعادلة الدقيقة تعني انهم يتصرفون تحت سقف الموافقة الأميركية وليس فوقها. وتحت سقف استبعاد أي صدام كبير، مع الأتراك أو مع «الناتو« وليس استحضاره! وتحت شعار «دولي» يقول بـ»الحرب على الارهاب» وليس تحت شعار اعادة إحياء العظام الرميم! وبغضّ النظر عن نياتهم وتمنياتهم الأخيرة، فإنهم برغم كل ما يفعلونه، يتجنبون أي حديث عن حسم عسكري! ويتجنبون أكثر، أي حديث عن موافقتهم على «بقاء» الأسد في مكانه!

وما يعرفه الروس أكثر من ذلك، هو أن المصالح القومية العليا للأتراك في سوريا ليست أقل شأناً من المصالح القومية العليا لهم في أوكرانيا! ويفهمون بالتالي، حدود مناوراتهم التي تقف عند المسائل ذات الطابع الاستراتيجي بالنسبة الى أنقره، والتي تدخل حلب في سياقها وليس العكس. 

وبين الحرب الكبيرة (المرفوضة) والاستكانة الى التغييرات الميدانية المتسارعة في الشمال السوري، هناك خيارات أخرى ليست بعيدة عن الواقع أبداً، وفي مقدمها دخول تركي عسكري مباشرة لتأمين المنطقة الحدودية المحاذية بما فيها حلب ومنطقتها.. وإذا كان هذا خيارا سيئا، فإن الأسوأ منه هو استبعاده!

.. وذلك في كل حال، يُبنى على افتراض أن الواقعية الروسية أكبر من أوهام الكسر العسكري الأحادي الذي يزمّر له ويطبّل جماعة ممانعة آخر زمن، وأكبر من افتراض القدرة على الاستمرار باعتماد التكتكة في مواضع استراتيجية جديّة.. جداً!