الملف السوري مفتوح بين أنقرة وموسكو على الطاولة من جديد كما على الأرض وخصوصاً في حلب. واللعبة المفتوحة بينهما أيضاً مكشوفة من دون ظلال، وسط اللعبة الأميركية – الروسية المعقدة. فما انتهت اليه محادثات بطرسبرغ بين الرئيسين فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان هو، على حدّ تعبير بوتين، اتفاق برغم الخلافات على البحث عن حلّ مشترك مقبول للأزمة في سوريا. وما يتابعه وفد تركي أمني وعسكري وخارجي زائر مع وفد روسي مماثل ضمن الآلية الثلاثية التي تحدث عنها وزير الخارجية التركي مولود شاويش أوغلو هو البحث في مضمون الحل المشترك. والخطوة التالية المفترضة هي إكمال البحث على المستوى الوزاري.
ذلك ان تركيا تبدو بعدما تجاوزت أزمة اسقاط السوخوي مع موسكو كأنها تريد اللعب على الطريقة الروسية. فالروس يقاتلون ويفاوضون في وقت واحد. يشاركون في القصف الجوي الذي أقلّه على داعش، ويتولون الاشراف مع الأميركيين على وقف الأعمال العدائية، ويفتحون في قاعدة حميميم الجوية مكتباً للمصالحة بين أطراف في سوريا. يدافعون عن النظام ويحاورون خصومه. ينسقون أمنياً في وقت واحد مع أميركا وايران واسرائيل والأردن، ويبحثون في قضايا استراتيجية مع السعودية وبقية دول الخليج.
ومن الصعب على تركيا التي دعمت داعش قبل اعلان الخلاف معه وجبهة النصرة قبل ان تعلن فكّ الارتباط بالقاعدة وتسمي نفسها جبهة فتح الشام، وتولت تسليح عدد من التنظيمات المعارضة ان تلعب دور الباحث عن حل سياسي بالبراعة التي تدير بها روسيا الأمور. والسؤال هو: هل يكون حظ التنسيق بين موسكو وأنقرة أكبر من حظه بين واشنطن وموسكو؟ هل تغلق تركيا حدودها لوقف تسرّب الارهابيين؟ وكيف يمكن التوصل الى حلّ مشترك بين روسيا التي تدافع عن النظام وتركيا التي تدعو الى اسقاط النظام، وان يكون الحل المشترك مقبولاً من دمشق وطهران والرياض قبل واشنطن؟
لا مجال للمبالغة في التوقعات. فالوقائع ناطقة. أقصى ما أمكن التوصل اليه في محادثات بطرسبرغ هو العودة المتدرجة على مدى عامين الى ما كانت عليه العلاقات الروسية – التركية قبل أزمة السوخوي. وأقل ما دارت حوله التكهنات قبل المحادثات هو ان أردوغان الذي يعيد هيكلة الدولة والجيش والمجتمع قد يعيد النظر جذرياً في دور تركيا وموقعها الجيوسياسي.
وليس أصعب من العمل المشترك الروسي – التركي للوصول الى حل مشترك سوى الخداع المشترك.