لقي نجاح الرئيس التركي رجب طيب اردوغان في إسقاط الإنقلاب العسكري الذي استهدفه قبل أسبوع ترحيباً واسعاً قارب الإجماع لدى القيادات السياسية والروحية السنية كما لدى الرأي العام السني في لبنان، في وقت شهدت الساعات الأولى للإنقلاب ما يشبه الإحتفالات في البيئة الإعلامية والشعبية لـ»حزب الله» وحلفاء النظام السوري في لبنان الذين اعتبروا الإنقلاب صفعة لأردوغان وحلفائه الإقليميين ولسياساتهم الداعمة للمعارضة السورية.
وشكّل هذان الموقفان المتباينان مادة نقاش سياسي وإعلامي ركزت على الاسباب والدوافع وغاصت في التحليلات والتفسيرات ذات الأبعاد المحلية والإقليمية.
فـ«حزب الله» الذي يقاتل الى جانب النظام في سوريا في مواجهة المعارضة السورية المدعومة من دول عدة على رأسها تركيا، رأى في الإنقلاب وسيلة لتغيير موازين القوى وفرض أمر واقع جديد داخل تركيا ينعكس إيجاباً لمصلحة الحزب وحلفائه الإقليميين في سوريا والمنطقة كلها.
أما القادة السياسيون والحزبيون والروحيون للطائفة السنية فشددوا على رفض مبدأ الإنقلابات العسكرية وأبدوا تمسّكهم بالديمقراطية ودعم السلطات المنتخبة المنبثقة عنها والمتمثلة بالرئيس أردوغان وحكومته، وأشادوا بنزول الشعب التركي الى الشوارع والميادين دفاعاً عن الديمقراطية ونتائج الإنتخابات ممّا أسقط الإنقلاب العسكري ومفاعيله السياسية.
ويبدو واضحاً أنّ هذين الموقفين المتناقضين ممّا شهدته تركيا يعتبران امتداداً لسياستين متناقضتين يعتمدهما كل من حزب الله وتيار المستقبل على الساحة اللبنانية، حيث يسعى الحزب مستفيداً من فائض القوة المتمثّل بسلاحه الى فرض شروطه السياسية على اللبنانيين عموماً وعلى الطائفة السنية متمثّلة بتيار المستقبل خصوصاً، في حين تعتبر الطائفة السنية، وعلى رأسها تيار المستقبل، نفسها ضحية الإنقلابات العسكرية التي نفذها حزب الله في لبنان بدءاً بـ 7 أيار 2008 وصولاً الى إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري في كانون الثاني 2011 وما عرف بعدها بعملية القمصان السود التي منعت تسمية الحريري من جديد رئيساً للحكومة.
وإذا كان موقف «حزب الله» منسجماً في الشكل والمضمون مع سياساته المرتكزة على القوة العسكرية لتغيير الواقع السياسي ولو كان وليد انتخابات ديموقراطية، فإنّ موقف تيار «المستقبل» خصوصاً يبدو منسجماً مع سياسته في الشكل ولكنه يناقض ممارسته في المضمون.
فتيار «المستقبل» الذي أشاد بنزول الشعب التركي الى الشارع لمواجهة السلاح والإنقلاب دفاعاً عن الديموقراطية ونتائج الإنتخابات، يحاذر في لبنان اللجوء الى الشارع ومواجهة السلاح بحجة الحفاظ على السلم الأهلي والإستقرار.
والتيار الذي رأى في نزول الشعب التركي الى الساحات والميادين لإسقاط أية مفاعيل سياسية للسلاح أسلوباً يستحق الثناء، يتبنى في لبنان أسلوب محاورة «الإنقلابيين» من «الدوحة» برعاية قطر عام 2008 الى زيارة بشار الأسد برعاية سعودية في كانون الأول 2009 وصولاً الى «عين التينة» برعاية رئيس مجلس النواب نبيه بري في العام 2016.
والتيار الذي يعتبر أنّ «عين» الشعب التركي تمكنت من مقاومة «مخرز» دبابات الإنقلابيين وطيرانهم وأسلحتهم المتنوعة، خسر في لبنان الكثير من قواعده الشعبية نتيجة لرفض محازبيه ومناصريه «الليونة» و»المساومة» و»المهادنة» في التعاطي مع حزب الله والتنازلات السياسية التي قدمها «استسلاماً» لشروط الحزب التي فرضها بقوة سلاحه بدءاً من تشكيل حكومة الرئيس ميقاتي وصولاً الى ترشيح النائب سليمان فرنجيه لرئاسة الجمهورية.
لقد سبق للقواعد الشعبية لتيار «المستقبل» خصوصاً وقوى «14 آذار» عموماً أن فرضت – بالقوة الشعبية السلمية – توازناً سياسياً في لبنان في مواجهة الجيش السوري والنظام الأمني اللبناني – السوري، ما أجبر الجيش السوري على الإنسحاب من لبنان، وَصبّت أصوات هذه القواعد في صناديق الإقتراع لمصلحة قوى « 14 آذار» في مواجهة سلاح حزب الله في العام 2009، لكنّ هذه القوى لم تتصرف كما تصرّف أردوغان يوم تعرّض للإنقلاب، فلم تدع الناس لمواجهة الإنقلاب بالنزول الى الشارع والتظاهر سلمياً كما فعلت في 14 آذار 2005 فخسرت سلاحاً كانت السبّاقة الى استخدامه، كما خسرت الكثير من قواعدها التي باتت تتعاطف في شكل أو في آخر مع «التطرف والمتطرفين» لا حباً بهم ولا قناعة بأساليبهم، وإنما بحثاً عمّن يواجه من يعتبرونه ظالماً وقاهراً ومصادراً لإرادتهم.
لقد تغنّى اللبنانيون لسنوات بأنّ «ثورة شعبية بيضاء» نزل فيها مليون لبناني الى ساحة الحرية في وسط بيروت أسقطت المفاعيل السياسية لاغتيال الرئيس رفيق الحريري، ولسنوات طويلة من الوصاية العسكرية والأمنية والسياسية والإقتصادية السورية على لبنان، من دون أن تسقط فيها نقطة دم، والأهمّ من دون ايّ عملية انتقام على غرار ما يقوم به أردوغان اليوم، لكنهم وجدوا أنفسهم بعد 11 سنة يهنئون من نجح في الدفاع عن نفسه ووجوده باستخدام أسلوب كانوا السبّاقين اليه، في وقت تَخلّوا هم عن هذه السياسة في المواجهة مُستبدلينها بتنازلات لم يكونوا مضطرين لتقديمها.
* عضو الأمانة العامة لقوى «14 آذار»