IMLebanon

الردّ التركي

للمرة الأولى منذ انطلاق حملة «درع الفرات» في الرابع والعشرين من آب الماضي تقول أنقرة إن «قوات» (طيران) رئيس سوريا السابق بشار الأسد استهدفت جنوداً لها في ريف حلب الشمالي، وعلى عتبة «الباب» حيث يقيم «داعش» واحداً من أهم معاقله.

رئيس الوزراء بن علي يلدريم وقيادة الأركان التركية لم يحسما بداية هوية من استهدف الجنود وقتل منهم ثلاثة وجرح عشرة آخرين، لكن ذلك الإبهام تبدد سريعاً لصالح التأكيد بأن «قوات» الأسد هي من ارتكب الجريمة.

ولا تعوز الأسد أي تبريرات إضافية لتأكيد مواقفه العدائية من الأتراك، لكن تعوزه بالتأكيد الجرأة على الدخول المباشر في اشتباك معهم، وهو على ما هو عليه في كل حال، من وهن وضعف وضعاه أكثر من مرة على حافة الانهيار والاندثار قبل أن يدخل الإيرانيون أولاً ثم الروس ثانياً «ويبعدوه» قليلاً عن تلك الحافة.

تعوزه «الجرأة» وإن حضرت النيّة. مثلما تعوزه القدرات على الاستمرار في الفتك والتقتيل والاستباحة وإن حضرت لديه الإرادة في ذلك.. ولهذا يتصرف بجنون ويحاول الظهور متماسكاً. ولا يضع سقفاً لحرب الحياة أو الموت التي يخوضها، برغم أنه يموت مئة مرة في اليوم ويتقيّح من داخله على وقع مرارة صيرورته حاجباً برتبة «رئيس». يقف عند أبواب الإيرانيين تارة وأبواب الروس تارة أخرى، ويدقّ عليه قبل أن يُسمح له بالدخول إلى ما كان «سلطته» و»نظامه».. يعرف أن وظائفه تبخّرت، وأن مصيره لم يعد طوع يديه، وأن «سيادته» صارت صنوّ الهباء المنثور، وأن مصيره صار رهن إرادات كبرى لا يعرف تماماً في أي لحظة تقرر شيئاً آخر وتقفل الأبواب في وجهه مرة واحدة وأخيرة!

ومصطلح «قوات» الأسد التي تحمّلها أنقرة مسؤولية المسّ المباشر بجنودها، فضفاض وملتبس لكنه لا يزال مُعتمداً! ووظيفة ذلك الاعتماد خطيرة! بحيث إن الأتراك يعرفون حُكماً أن من «دفش» الأسد إلى الواجهة هم الإيرانيون أولاً وأساساً! مثلما يفعلون بالمناسبة في شأن المعركة الدائرة في شرق حلب! وأن ذلك جزء من توجّس طهران من قدرة الأتراك على تدوير الزوايا الحادة في أكثر من اتجاه، أكان باتجاه الاتفاق مع الروس أو بـ»التفاهم» الميداني (المرحلي) مع الأميركيين، وبالتالي تعريض الاستراتيجية الإيرانية لمخاطر جدية، وليس في سوريا وحدها وإنما في العراق أيضاً، وفي شماله تحديداً.

الخريطة المعقّدة للنزاع القائم في شمالي سوريا والعراق لا تلغي «المبدأ» القائل بأن الدول المعنية لا تقاتل بعضها بعضاً مباشرة وإنما بالواسطة، وذلك يسري على الإيرانيين والأتراك مثلما يسري على الأميركيين والروس: «قوات» الأسد جزء من ذلك المشهد «الواسطي» الأدواتي مثلها مثل «حزب الله» وميليشيات «الحشد الشعبي» العراقي و»قوات سوريا الديموقراطية» وغيرها من فصائل كردية (إرهابية) أو معارضة سورية.. ومعركة «الباب» جزء من «الخريطة» التي تفاهمت عليها أنقرة مع موسكو غصباً عن إيران (وتابعها الأسد) والأميركيين، مثلما هي جزء حاسم في هدفها المتمثل بحماية الأمن القومي التركي من ثنائية الإرهاب الداعشي والكردي على حد سواء! ومن محاولات التلاعب بالحزام الجغرافي المحاذي لحدودها!

وذلك يعني (والله أعلم!) أن تركيا لن تتراجع عن دخول الباب بواسطة «الجيش السوري الحر» مثلما أنها (بالمناسبة) ستقف بعيداً عن معركة الرقة (وفقاً لإرادة الأميركيين!) وأنها على الهامش لن تترك جريمة استهداف جنودها من قبل «قوات» الأسد تمر من دون عقاب مواز وأكثر.. وتحت أعين الإيرانيين والروس معاً!