IMLebanon

العسكر التركي سيعود إلى ولاياته السابقة

في انتظار أن يدخل الجيش التركي كمنقذ، وهذا جزء من البراعة السياسية، سنكتشف هشاشة بل حتى وهميّة المسماة “داعش” في المناطق التي سيحتلها.

لكي يكتمل انفراط نظام سايكس – بيكو لا بدّ من عودة التدخل التركي العسكري في ولاياتٍ عثمانيّةٍ قديمة مسمّاة سابقا سوريا والعراق.

فمع إجازة البرلمان التركي لسلطة الرئيس رجب طيّب أردوغان بالتدخل العسكري في سوريا والعراق تكون كل أطراف الصراع التقليدية على رسم صورة المنطقة التي أصبحت لاحقا سايكس – بيكو (معدَّلاً) … تكون هذه الأطراف قد دخلت  مباشرة في الصراع على مستقبل خارطة المشرق لكن متحالفةً هذه المرة: بريطانيا وفرنسا وتركيا.

رمزية “الدخول”التركي الرسمي تكمن هنا: فالطرف المهزوم السابق يستعيد اليوم القدرة على التدخل في مناطق أرغم على الانسحاب منها “نهائياً” عام 1918.

ولكي نفهم لماذا تورّط أردوغان في تسهيل صعود وانتشار “داعش”، وقبل ذلك “النصرة” عندما كان على وفاق مع المملكة العربية السعودية في بداية الأحداث السورية، يجب أخذ هذه الخلفية التاريخية الجيوبوليتيكية بعين الاعتبار. فالرجل، أردوغان، يعتقد عميقاً أن البازار السوري فُتِح عام 2011، وقبله العراق، وأن “من لا يحضر في السوق لا يستطيع أن يبيع ويشتري” حسب ما قالته لي في بيروت شخصية تركية مطّلعة وقريبة جداً من بعض مؤسسات “حزب العدالة والتنمية” قبل ثلاثة أشهر. بعد ذلك كتبتُ في 31 تموز 2014 ضمن مقال تحت عنوان ” الجيش التركي يستطيع القضاء على “داعش” في 24 ساعة” عن “الواقعية البشعة” التي يمارسها أردوغان من حيث أنه دعم ضمنا تسهيل وصول عناصر متطوّعة من “داعش” عبر الأراضي التركية كوسيلة وحيدة لتبرير تدخّلٍ  عسكريٍّ  لاحقا في البازارَيْن السوري والعراقي اللذيْن حولتهما “داعش” أو من هم وراء “داعش” إلى سوق واحدة على المستوى الدولي بعدما كانت قوى الحرب الأهلية السنّية الشيعيّة قد وحّدتهما على المستوى الإقليمي على مسرح واحد من البصرة إلى طرابلس الشام.

باستثناء الأرمن الحاصلين على دولتهم والذين باتوا غير موجودين كديموغرافيا سياسية في مناطق الصراع الحالي، كل الأطراف الأخرى المحلية في سايكس – بيكو موجودة الآن: الأكراد، الذين خسروا قبل تسعين عاماً وهم حاليّاً على مشارف استقلال دولتهم في شمال العراق، موجودون وإنما مع عودة قلقهم العميق من تداعيات اللعبة الجديدة في شمال سوريا والعراق لاسيما حيال ذكريات الدور التركي السابق والحالي الذي مهّد لنفسه داعشياً عبر نوع من “تأديب” الأكراد تارةً في سهل نينوى إلى الشرق وطوراً كما يحصل حاليا حول “كوباني”- عين عرب. الأكثريتان الشيعية العراقية والسنّية السورية والأقلية العلوية المنخرطة والأقليتان المسيحية والدرزية المراقبتان مع بعض التورّط. العشائري في بادية الشام العراقية والسورية. هذه المرة تبدو البورجوازيات المحلية الحلبية والحمصية والدمشقية التي انتجت قيادات الوطنية السورية بعد سايكس – بيكو غائبة وكأن لا ممثلين مباشَرين لها في الصراع، وهذه البورجوازيات التقليدية دخلت أصلا الصراع عام 2011 رغماً عن إرادتها لا سيما البورجوازية الحلبية. لكن جماهير الأرياف المتحلّقة حول تنظيمات أصولية فرضت نفسها وسُمح لها باجتياح حلب وحمص كرد على قمع النظام فيما مدنيّو الطبقة الوسطى الذين راهنوا على ثورة مدنية سلمية وجدوا أنفسهم بسرعة أدواتٍ في المنافي للعبة أمم دولية.

يجب الاعتراف ببراعة “الواقعية البشعة” لرجب طيّب أردوغان (عبر توسّل استخدام أكثر أنماط الأصوليّة الإسلاميّة همجيّةً). فهي تحصل كجزء من استراتيجية دولية بقيادة الولايات المتحدة الأميركية هي نفسها ما كان لها أن تتحقّق من دون الأداة الداعشية. إذن البراعة الأردوغانية تكمن في الغطاء الشرعي الدولي للسياسة التي ينتهجها. وهي في النتيجة براعة غربية.

لكن في المرحلة الجديدة البادئة مع “التحالف الدولي” كل الاحتمالات مفتوحة وهذه أصلاً قوة اللعبة الدولية التي حصلت على تفويض مفتوح زمنيا وغير محدد سياسيا بل هو غامضٌ سياسيّاً وهذه سابقة تجعله لا يشبه التحالفات الدولية السابقة  في العقدين المنصرمين في الكويت والعراق وأفغانستان.

وبانتظار أن يدخل الجيش التركي كمنقذ (وهذا جزء من البراعة السياسية) سنكتشف هشاشة بل حتى وهميّة المسماة “داعش” في المناطق التي سيحتلها. إنه احتلال في نظر بقايا الوطنيّتين السورية والعراقية وهي مجرد عودة في نظر الإسلاميّين العرب ولا سيما “الإخوان المسلمين”. بارك الله كفاءة “الإخوان” في تدمير الأوطان. وهذا ما لم يسمح لهم الجيش وأغلبية الشعب المصري بفعله في أرض الكنانة.

تبقى ملاحظة وهي الخشية من أن تصبح هذه الاندفاعة الأردوغانية الكبيرة مقدمة لدينامية خطرة لا تستحقها تركيا البلد العزيز والمتطور وهي دينامية انتقال الصراع إلى داخلها كما حصل مع باكستان في لعبتها الأفغانية.