Site icon IMLebanon

«العامل التركي»

كثيرون (جداً) الذين كانوا على قناعة راسخة بأن حرب العام 1973 كانت آخر حرب مباشرة بين النظام الأسدي وإسرائيل. وأن الاستراتيجية التي اعتمدها الأسد، قامت شكلاً، في الإعلام والسياسة والتبليغ والبيان الحزبي، على نظرية بناء توازن تسليحي (إستراتيجي) مع إسرائيل، لكنها في مضمونها قامت على رافعة مركزية واحدة هي استمرار النزال، لكن بالواسطة.

في سياق البناء على تلك الرافعة، ركّز الأسد الأب جلّ عمله وسلطته على إحكام السيطرة على الفلسطينيين، ومدّ النفوذ الى لبنان أولاً وأساساً، ومحاولة التأثير في القرارات الكبرى للحكم الأردني، والاستمرار في موازاة ذلك، بتقديم رسائل طمأنة إلى الولايات المتحدة وإسرائيل (استطراداً)، بأن نزاعه الثنائي مع صنوه العراقي سيبقى مستمراً وبشكل ينهي أي احتمال تهديدي، يمكن أن يصدره أي واقع معاكس.

ومثله، في العمق، كان نظام صدام حسين: انتهج على طريقته الأكثر فظاظة ودموية، سياسة إزاء سوريا عمادها الوحيد النزاع المفتوح، وطمس أي فكرة أو توجّه يمكن أن يستنفر الغربيين، وإسرائيل (استطراداً)، أو يمكن أن يمرر ولو في الشكل، أي احتمال «وحدوي» ينعش «الجبهة الشرقية» ويفتح المجال أمام شطحات خارج النص!

بهذا المعنى، كانت وظيفتا نظامَي «البعث» متمّمتين لبعضهما البعض، على شاكلة حدَّي السيف! وتكفّل كل طرف منهما، بتسوية الأرض أمام إحكام سلطته، وتقديم كل ما يلزم من شروط سياسية إستراتيجية للخارج، لعدم إزعاج تلك السلطة، طالما أن لا سبب يدعو إلى ذلك!

هكذا، كانت حرب 1973، آخر حروب حافظ الأسد المباشرة مع إسرائيل وفاتحة حروب لبنان التي لم تنتهِ. وهكذا كانت كل حروب (مجدداً كل حروب) صدام حسين موجهة الى الداخلَين العربي والإسلامي. تارة مع الأكراد وتارة مع إيران وتارة مع الجوار الخليجي العربي ودائماً مع الاغلبية العظمى من العراقيين.. عدد ضحايا النظامين، من الفلسطينيين واللبنانيين والكويتيين والأكراد والعراقيين والسوريين، يُقاس بمئات الألوف من دون أدنى مبالغة! فيما عدد هؤلاء من الإسرائيليين يقارب الصفر المكعب (نسبياً)!

مناسبة هذا الكلام (السريع!) هو التحرّك التركي غير المسبوق باتجاه سوريا ونكبتها. بحيث إن حافظ الأسد، كان مطمئناً من جهة إسرائيل! ولم يخَفْ من أي طرف خارجي مقدار خوفه وخشيته من تركيا! وكان سقف مناوراته هو الحرب! هكذا مثلاً، أنهى وجود «حزب العمال الكردستاني» في منطقة البقاع، في أواخر تسعينات القرن الماضي، في غضون أربع وعشرين ساعة فقط! هي التي تلت حشد الجيش التركي لقواته على الحدود مع سوريا! بعد أن يئست أنقرة من «إقناع» الأسد بالسياسة والديبلوماسية بإنهاء قضية عبدالله أوجلان وتنظيمه!

اليوم، تتكرّر القصة في عنوانها وتختلف في سياقها وسرديتها وأبطالها وحوادثها. وأول وأكثر من يعرف خطورة «العامل التركي» هو رئيس بقايا السلطة في دمشق بشار الأسد. وعلى ذلك يبني حساباته ويتوقع الأسوأ، لأنه يعرف يقيناً، أن تركيا على حدوده وإيران بعيدة! وأن الفيل التركي بطيء في الحركة والاستدارة لكن حركته بطّاشة وحاسمة.

.. ما زلنا في بداية الفصل الأخير. والأكيد، أن هذا الفصل يتضمّن ترجمة لموقف أنقرة الذي لم يتغير: لا مستقبل للأسد في سوريا.