IMLebanon

الأتراك ينأون بأنفسهم عن ملف العسكريين المخطوفين

أنقرة لا تعترف بمحور إقليمي مذهبي ضدّ طهران

الأتراك ينأون بأنفسهم عن ملف العسكريين المخطوفين

ليس ملفّ العسكريين اللبنانيين المخطوفين لدى «داعش» و «جبهة النّصرة» جزءاً من «الأجندة» التركية لمكافحة المنظمات الإرهابية، وجلّ ما يريده الأتراك هو حماية أمنهم الداخلي والانخراط ضمن التحالف الدولي لمكافحة الارهاب ضمن حدود لا تؤذي أنقرة بأمنها الداخلي، وخصوصاً على مشارف التحضير الجاري للانتخابات البرلمانيّة في الربيع المقبل.

تعتبر أوساط مطلعة على المناخ التّركي بأنّ ما تبثّه وسائل الإعلام اللبنانية حول ملف العسكريين اللبنانيين المخطوفين لدى «النّصرة» و «داعش» لا يعكس الواقع. وترى أنه ينبغي التشكيك دوماً في الأخبار اليوميّة التي تنشر حول القضيّة، لا سيّما لجهة قنوات التفاوض وتنقلات المفاوضين، وكلّها تفاصيل ينبغي أن تقرأ بحذر.

يستمرّ الموقف التركي الرسمي على حاله: أنقرة ليست جزءاً من معادلة المفاوضات الجارية في ملفّ العسكريين، وهي في الأصل لم تتدخّل في هذه المسألة، بالرّغم من توجّه الأنظار إليها وإلى قطر فور اختطاف العسكريين اللبنانيين في آب الماضي.

يكرّر المسؤولون الأتراك الجواب ذاته: تركيا لا تملك القدرة على التأثير في الجماعات المتطرّفة وهي لم تستقبل أيّ مفاوض على أراضيها. كما أن السفير التركي في بيروت سليمان إنان أوزيلديز نصح مؤخراً أهالي المخطوفين بتجاهل ما يقرأونه ويسمعونه في الإعلام اللبناني والإصغاء الى مصدرين اثنين فحسب هما: رئيس الحكومة اللبنانية تمّام سلام والمدير العام للأمن العام اللبناني اللواء عبّاس ابراهيم الذي يقود عملية التفاوض السرّية.

برأي أنقرة، ثمّة مبالغة لبنانية في التعويل على الدّور التركي، من هنا ينصح الأتراك اللبنانيين بالتفتيش «عن وسائل أخرى غير التعويل عليهم لتحرير الجنود الأسرى».

لا تزال التجربة التركية في تحرير 46 دبلوماسياً وموظفاً في القنصلية التركية في الموصل من قبضة «داعش» ماثلة للعيان، وكذلك مخطط منع اتخاذ 38 جندياً تركياً يحرسون ضريح سليمان شاه في داخل الأراضي السورية كرهائن، يقدم الأتراك هذان النموذجان للبنانيين ليستوحوا منهما طريقة لحلّ ملفّ الجنود اللبنانيين.

أنقرة تحارب «داعش»

لا يأبه المسؤولون الأتراك كثيراً للمشككين بدور أنقرة في مكافحة الإرهاب، فهم يتبعون كلمة قالها رئيسهم رجب طيب أردوغان: «نحن لا نأبه لأن نكون وحيدين في العالم، جلّ ما نأبه له هو نظرة شعبنا إلينا».

انطلاقاً من ذلك، ووسط انقسام شعبي متنامٍ بين المؤيّدين للعلمانية وللحفاظ على مكتسبات مؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك وبين شعور إسلامي متنامٍ يحفّزه التوجه الإسلامي لحكم أردوغان، فإن تركيا تستمرّ جزءاً من التحالف الدولي ضدّ «داعش».

لسان حال المسؤولين الأتراك أن أنقرة تتعاون مع بقية الأفرقاء الدوليين في محاربة إرهاب «داعش» وأمثاله، لكنّها تنظر الى مصالحها كأولوية وخصوصاً أمنها الدّاخلي. فتركيا لا تتعاون مع «التحالف» عسكرياً بل لوجستياً ومخابراتيّاً عبر تبادل المعلومات. في العراق مثلاً، زار وزير الدفاع التركي عصمت يلماز بغداد قبل أيام وقدّم للحكومة المركزية أجهزة لوجستية وأعربت تركيا عن وقوفها الى جانب العراق في معركة استعادة تكريت.

وفي المرافعة التركية عن دورها في محاربة «داعش»، يبرز التزامها بتدريب المعارضة السورية المعتدلة على دفعات (كلّ دفعة تضمّ 5 آلاف مقاتل) وهو تطوّر مهمّ على صعيد الموقف التركي، إذ يؤكد الأتراك أن هدف هذا التدريب هو قتال «داعش» وليس النظام السوري بقيادة بشار الأسد. لا يعني ذلك أن تركيا بدّلت رأيها في شأن نظام الأسد، لكنّه يبرهن عن قدرة التحالف الدولي على استيعاب الحالة التركية وجعلها تسير في ركب أولويته القصوى أي مكافحة الإرهاب وتأجيل البحث في إطاحة النظام السوري.

يوماً بعد يوم، تعيد تركيا التذكير بالخطر الذي يشكله «داعش» على أمنها وتعمل على صدّ هذا الخطر بمختلف الطرق، لكن ليس على حساب العلاقة المتينة مع إيران وروسيا، اللتين تنسج معهما علاقات تاريخية يعززها حجم التبادل التجاري ويغذيها الغاز الطبيعي وهما أوثق من الخلاف حول ملف سوريا.

لا لمحور ضدّ طهران

واللافت للانتباه أيضاً أنّ تمنيات تركيا إطاحة النظام السوري لن يدفعها الى الانخراط في محور إقليمي معادٍ لإيران بحجّة إرساء توازن سنّي في المنطقة، وبالتالي لا يمكن لسياستها الخارجية أن تبنى وفق حسابات طائفية ومذهبية. فزيارة الرئيس التركي الأخيرة الى الرياض ولقائه الملك سلمان بن عبد العزيز كانت ناجحة بشهادة المسؤولين الأتراك، وتشدد الأوساط على الأهمية التي يوليها الأتراك للعلاقة مع السعودية، لكنّها لن تؤدي الى انخراط أنقرة في محور سنّي يحاول تعديل موازين القوى ضدّ إيران، وهو بنظر الأتراك «محور غير موجود».

هذا الموقف التركي الرافض لأي محور سنّي يتوافق مع العلاقة غير السويّة مع مصر- عبد الفتّاح السيسي والتي تمرّ بمخاض عسير منذ الإطاحة بالرئيس الإخواني محمد مرسي الذي نال مباركة تركيا ودعمها المطلقين، وتتوافق مع سياسة التعايش السلمي التي تعتمدها أنقرة مع طهران منذ زمن بعيد يعود تحديداً الى العام 1937 عندما وقع البلدان معاهدة «سعدأباد» (انضم اليها لاحقاً العراق وأفغانستان) التي تتضمن عدم استهداف الأنظمة لبعضها وهي معاهدة عايشت الحرب العالميّة الثانية وصولاً الى الثورة الإيرانية العام 1979 وتبدو مفاعيلها مستمرّة لغاية اليوم.