الرئيس نبيه برّي من موقعه السياسي وكرئيس للسلطة التشريعية هو أول من رفع شعار التمسك بالميثاق واحترام الميثاقية كضمان للمحافظة على الصيغة، وعلى التعددية والشراكة بين كل المكونات اللبنانية، وثبت ذلك عملياً في عدّة محطات مر بها لبنان منذ العام 2006 وحتى تاريخه.
أوليس هو من وصف حكومة الرئيس فؤاد السنيورة بغير الميثاقية وغير الشرعية، لأن مكوناً من المكونات خرج منها لأسباب سياسية ولمصالح وحسابات شخصية، وعطل مجلس النواب أكثر من سنة ونصف حتى لا يشرّع قرارات وقوانين تلك الحكومة، لأنها حسب اجتهاده ليست ميثاقية في غياب أحد المكونات الأساسية، ولم يفتح أبواب مجلس النواب الا بعد استقالة تلك الحكومة، وتشكيل حكومة جديدة حظيت فيه قوى 8 آذار والمسماة آنذاك بالمعارضة بوصفها أقلية في المجلس النيابي بالثلث المعطل الذي مكنها من تعطيل تلك الحكومة وصولاً إلى إجبار رئيسها على الاستقالة بعد تقديم تلك الاستقالة الجماعية لما يسمى بقوى 8 آذار، أوليس هو الذي ما زال يضع حظراً على كل أو معظم القرارات والقوانين التي وضعتها حكومة الرئيس السنيورة بذريعة انها ليست ميثاقية أو بتراء رغم ان معظم تلك القوانين كانت في محلها، وتصب في مصلحة الدولة، وتحسين أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية وتحفيز النمو العام، وتدخل بالتالي من باب تشريع الضرورة، وينطبق عليها التعبير الشهير الذي أطلقه مؤخراً الرئيس برّي وهو أن الميثاقية وضعت لحماية الوطن والمواطن لا للتعطيل.
ثم أوليس هو من اجتهد تحت شعار الحرص على الميثاقية، بالنسبة إلى نصاب جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، وتمسك بحضور الثلثين لاستكمال النصاب في كل دعوة إلى عقد جلسة عامة لانتخاب الرئيس متجاوزاً بذلك كل النصوص الدستورية والأمثلة على ذلك لا تنتهي وهي أكثر من أن تعد وتحصى منذ العام 2006 وحتى تاريخه. فما عدا وبدا حتى تغير «أبو الميثاق والميثاقية وأصبح اجتماع مجلس النواب ليس بحاجة إلى اكتمال عنصر الميثاقية بذريعة أن الضرورات تبيح المحظورات أو بحجة أن التشريع لا يحتاج إلى توافر قاعدة الميثاقية». فهل إقرار مزيد من الديون على بلد ينوء تحت أعباء الدين الى درجة تضعه في حالة الإفلاس أهم من احترام أصول وقواعد الميثاق الوطني الذي يُشكّل وحده ضمانة بقاء لبنان واحداً موحداً، وصموده أمام كل التحديات التي واجهته لإسقاط هذه الصيغة الفريدة.
عجيب تصرف الرئيس برّي وإصراره على ضرب الميثاقية في مكان والتمسك بها في مكان آخر لضمان تحقيق مصالح وأهداف أخرى، ألم يكن من الأجدى والأنفع للبنان ولشعبه أن يتمسك بالدستور ويعمد إلى تنفيذه، وبذلك يكون حافظ بالفعل على الميثاقية، وأبعد بلده عن المنعطف الخطير الذي يدفعه إليه بانقلابه على الميثاق والميثاقية أو بجعلها وجهة نظر لا أكثر ولا أقل.