إعلان رئيس اللجنة النووية في مجلس الشورى الإيراني إبراهيم كارخانة أنّ المفاوضات الدولية في شأن ملفّ إيران النووي عادت إلى نقطة الصفر، هو نعيٌ شِبه رسمي لها، ما لم يطرأ تطوّر مفاجئ يُعيد منسوبَ التفاؤل إلى مستواه المقبول.
هكذا يقرأ عدد من المراقبين في واشنطن ما حَدث، وما هو متوقّع في الجلسات المقبلة، والتي بدأت أمس في فيينا، بين ممثلي دوَل (5+1) مع إيران.
يقول البعض «إنّ الشروط الأميركية التي طرحَها وزير الخارجية جون كيري على نظيره الإيراني محمد جواد ظريف، في حضور الممثلة الأوروبية كاثرين آشتون، شكّلت مفاجأةً غيرَ متوقّعة، تُخالف كلّ التحليلات التي كانت تتحدّث عن «حاجة» أميركية ماسّة لتوقيع اتّفاق».
لا بل هناك مَن يفسّر الأمرَ على أنّه حصيلة «المراجعات» السياسية والاستراتيجية التي أجرَتها إدارة الرئيس باراك اوباما ولا تزال، حيال عدد من ملفات المنطقة، في ظلّ تقديرات تشير إلى أنّ تلك المراجعات قادت وتقود إلى خلاصات، في مقدّمها أنّ مرحلة تراجُع الاهتمام الأميركي بشؤون المنطقة قد انتهَت لمصلحة انخراط متجدّد مبنيّ هذه المرّة على مقاربات مختلفة عمّا درجَت عليه واشنطن في فترات سابقة.
وتربط أوساط أميركية بين سلسلة الأحداث والتصريحات التي صدرَت خلال الأيام الماضية، سواءٌ في قمّة «آبيك» في الصين أو في «بريسبين» في أوستراليا، والحديث عن إمكان تدخّل قوّات برّية أميركية لاستعادة الأنبار والموصل، في ضوء زيارة رئيس أركان القوات الأميركية مارتن ديمبسي المفاجئة إلى العراق، وتصريحات أوباما عن مستقبل الحرب على «داعش»، أو مستقبل العلاقة مع نظام الرئيس السوري بشّار الأسد.
وتؤكّد هذه الأوساط «أنّ استدارةً كبيرة طرأت على سياسة الولايات المتحدة تجاه المنطقة، بعدما ظهرَ أنّ العودة الأميركية إليها، ليست مطلباً محلياً فحسب، بل حاجة إقليمية ودولية معاً، في الوقت الذي يتبيّن أنّ الوجود الأميركي الفاعل هو ضرورة».
ويتناقل ديبلوماسيون غربيون وعرب معلوماتٍ شِبه مؤكّدة عن استبعاد كثير من التقديرات الاستخبارية حتى اللحظة، أيَّ «خرق» تكنولوجي يمكّن إيران أو يقرّبها من إنتاج قنبلة نووية. ويشيرون في الوقت نفسه إلى دلالة منسوب «الهدوء» الإسرائيلي في التعامل مع هذا الملف، خارج التصريحات والتحذيرات المألوفة.
ويضيف هؤلاء «أنّ تلك التقديرات جعلت الإدارة الأميركية تُراجِع حساباتها مجدّداً، بعدما ظهر أنّ في إمكانها إعادة الإمساك بملفات المنطقة بنحوٍ يُقنّن من «التنازلات» و«الاتفاقات» التي يمكن توقيعُها، في ظلّ تقديرات استراتيجية أميركية تعتبر أنّ المنطقة الغارقة في فوضاها الكيانية والسياسية لا تتيح الحديث عن حلول ناجزة».
وما التأكيدات الأميركية المستمرة والمتواصلة عن استغراق الحرب على الإرهاب والتطرّف سنوات طويلة، إلّا دليلٌ على توقّع مزيدٍ من الفوضى والاستنزاف في الوقت نفسه.
وتشير تلك الأوساط إلى أنّ على جدول أعمال زيارة نائب الرئيس الأميركي جو بايدن إلى تركيا، والمتوقّعة بعد أقلّ من أسبوعين، إعادةُ رسم حدود التقاطع والاعتراض بين الطرفين، راهناً وفي المستقبل القريب، بعدما تجاوزَت واشنطن ضغوط الوصول إلى اتفاق نووي مع إيران، الأمر الذي كان يفرض عليها تقديمَ تنازلات «غير جوهرية» خصوصاً في سوريا.
وفي هذا السياق، تقرأ تلك الأوساط زيارة وزير الحرَس الوطني السعودي الأمير متعب بن عبدالله بن عبد العزيز إلى واشنطن، مصحوباً بوفدٍ عسكريّ كبير ورفيع، ما يُذكّر بزيارات مشابهة سبقَت صدورَ قرارات مهمّة قبيل حرب الخليج الثانية التي أنهَت نظامَ الرئيس صدّام حسين. وتعتقد أنّ «المصالحة» الخليجية مع قطر جزءٌ من التحفيزات التي حضّت عليها واشنطن لإعادة ترتيب علاقاتها مع ملفّات المنطقة.
وتؤكّد الأوساط أنّ زيادة التهديدات والاستعراضات الإيرانية الأخيرة تعكس ضيقاً وحرَجاً كبيرين لدى طهران، من إمكان انهيار رهاناتها على تحصيل مكاسب سياسية واستراتيجية، في وقتٍ تتعمّق الضغوط وتزداد كلفةُ تورّطِها في الجبهات المفتوحة من العراق إلى اليمن.