IMLebanon

ضربة تلفزيونية أو ميناء الحُديدة؟

 

مرة جديدة تؤكد الاحداث الخطيرة التي وقعت قرب مضيق هرمز انّ واشنطن وطهران لا تضعان الحرب في حساباتهما، وهذا الاطمئنان هو الذي سمح لإيران بإسقاط طائرة الـ»درون» الأكثر تطوراً وكلفة لدى الولايات المتحدة الاميركية.

 

صحيح أنّ هذا الاحتكاك الخطير كشف ارتباكاً اميركياً في طريقة التعاطي معه، إلا أنه أخذ جدلاً واسعاً حول هدف ايران من رفع مستوى المواجهة الى هذا المستوى الخطير.

 

في واشنطن هنالك من يعتقد أنّ الأمر بإطلاق الصاروخ وإسقاط الطائرة اتخذه ضابط محلي بناء لتقييم شخصي من دون العودة الى قرار القيادة على أعلى مستوياتها.

 

وقد اعلن الرئيس الاميركي وجود هذا الاحتمال في تصريح رسمي له. لكنّ مجموعة أخرى شككت بهذا الاستنتاج، مشيرة الى انّ القيادة الايرانية التي وزّعت شريطاً مصوراً لعملية إسقاط الطائرة، قد تكون ضللت عمداً بعض المعطيات لجعل المسألة تبدو في اطار خطأ ميداني. لكنّ الثابت ان القيادة الاميركية سادها الارباك عقب اسقاط طائرة الـ»درون».

 

في العادة تكون الإدارة الاميركية قد اشبعت كل الخيارات درساً خلال مراحل التوتر والمواجهات. ولكن مع اسقاط طائرة الدرون تأخّر الموقف الاميركي اكثر من 24 ساعة، لتظهر بعدها رواية إيقاف ترامب لرد انتقامي بسبب الخشية من سقوط 150 قتيلاً.

 

في العاصمة الأميركية هنالك اقتناع بأنّ الرد الاميركي الذي أوقفه ترامب قبل 10 دقائق فقط، إنما هو عملية محض اعلامية ولم يكن عملية حقيقية على الاطلاق. وكان لافتاً امتداح ترامب في وقت لاحق حكمة الايرانيين بعدم إسقاط طائرة التجسس المأهولة، قبل ان يعود ويعلن أنّ العمل العسكري ما يزال مطروحاً.

 

في الواقع يبدو ترامب ملزماً بتنفيذ ضربة رد اعتبار لكي يخفف من الآثار السلبية التي اصابت حملته الانتخابية، ولكن وفق شروط مدروسة بعناية. صحيح انّ أياً من واشنطن وطهران لا تريدان الحرب، لكن المناورات الحاصلة والرسائل الخطيرة الجاري تبادلها قد تؤدي في لحظة ما الى الإنزلاق باتجاه الحرب رغماً عن ارادة الطرفين. ما يعني هنا أنّ رد ترامب يجب ان يأخذ حذره من هذا الجانب. صحيح انّ الكونغرس الاميركي استعاد تفويض الحرب من الرئيس الاميركي بعدما كان قد حصل عليه الرئيس السابق جورج بوش إثر احداث 11 ايلول وهو ما يعطي حماية اكبر لأي قرار متهور يتخذه البيت الابيض، إلّا أنّ سقوط قتلى سيجعل الديموقراطيين ينتقلون من خانة محاصرة ترامب الى خانة المحافظة على المصلحة العليا للبلاد.

 

لكنّ الادارة الاميركية المتمسّكة، لا بل المستميتة، بفتح ابواب التفاوض مع طهران، تريد دخولاً ايرانياً الى المفاوضات يليه اعادة عقارب الساعة الى ما قبل الحزمة القاسية من العقوبات، والتي أعلنت مطلع ايار. فيما طهران، التي وجّهت إشارات عدة حول عدم ممانعتها حصول مفاوضات غير مباشرة، تريد ذلك شرط ان يسبقها العودة الى وضع ما قبل ايار، وبالتالي التراجع عن رزمة العقوبات القاسية. وكان لافتاً قول ترامب انه في حال تخلى الايرانيون عن برنامجهم النووي فإنه سيكون افضل اصدقائهم. واستخدم عبارة لنعيد «لإيران عظمتها»، وهو توصيف لم يستخدمه سوى في الاشارة الى اعادة عظمة بلاده خلال حملته الانتخابية.

 

لكنّ ترامب اشار الى انّ الخيار العسكري ما يزال مطروحاً، فهو بأمسّ الحاجة لاستعادة ماء الوجه.

 

ويدور همس في الكواليس أنّ الادارة الاميركية تقف امام خيار من اثنين: الاول، وهو توجيه ضربة صاروخية تحدث دويّاً اعلامياً كبيراً ولكن من دون احداث خسائر جدية. ضربة على شكل ما حصل في سوريا سابقاً.

 

لكن قلق الاميركيين هنا يتمحور حول علمهم أنّ ايران سترد بالطريقة نفسها. وبالتالي إذا أدّت الضربة الى سقوط اصابات فهذا سيفتح الباب امام رد مشابه يطاول الجنود الاميركيين المنتشرين في العراق، أو ربما في الخليج. وفي حال ذهاب الامور في هذا الاتجاه، فهذا سيعني مزيداً من الخطر حول عمل ناقلات النفط ما سيؤدي فوراً الى زيادة ارتفاع اسعار النفط. فبعد إسقاط طائرة التجسس الاميركية، ارتفع سعر خام برنت بنسبة 3,6 في المئة والعقود الآجلة لخام غرب تكساس 4,17 في المئة.

 

واستمرار ارتفاع اسعار النفط سيعرّض الاقتصاد الاميركي لخسائر، ما سيجعل المشوار الانتخابي لترامب بلا اوراق رابحة، والتي تبقى أهمها على الاطلاق الورقة الاقتصادية. اضافة الى انّ ارتفاع اسعار النفط سيكون لمصلحة الصين في ظل حربها التجاريّة مع واشنطن.

 

امّا الخيار الثاني، فهو يتمحور حول دعم اميركي جوي واستخباراتي كبير لجعل قوات التحالف البري في اليمن قادرة على السيطرة على مرفأ الحُديدة بعد فشل متواصل طوال المراحل الماضية. وهو ما سيعني حرمان الحوثيين من مصدر وصول الاسلحة اليهم، اضافة الى قطع الشريان المالي لهم. ونقل التوتر مع ايران الى «حرب بالوكالة». وسجّل في هذا الاطار الاتصال الهاتفي بين ترامب وولي العهد السعودي محمد بن سلمان.

 

ولا بد من الاشارة الى ما سجّل حول تحركات عسكرية لمجموعات موالية لإيران في العراق، في مقابل إجلاء القوات الاميركية لموظفين مدنيين.

 

يبقى انّ هنالك من يدعو الى ترتيب صفقة ما مع روسيا والإستعانة بنفوذها في مواجهة ايران. لكن لموسكو مشكلاتها أيضاً، وهي قد لا تبدو قادرة على ذلك حتى ولو رغبت به. فخلال المعارك العنيفة الدائرة على جبهات ريف حماه وادلب، فشلَ الفيلق الخامس بقيادة سهيل الحسن الملقّب «النمر» في التصدي بنجاح لهجمات الفصائل المسلحة التي تدعمها تركيا، على رغم من الاسناد البري والجوي الروسي الكبير والمكلف. ما ولّد اقتناعاً بأنّ الفيلق الخامس والذي ينسق مع الجيش الروسي، لا يمكنه التعويض عن المجموعات والفصائل المؤيدة لإيران في المعركة البرية.

 

لذلك، مثلاً، سُجّل استقدام قادة عسكريين من الغرفة الرابعة الى المنطقة، وهي القوة التي ترعاها إيران عسكرياً. مع الاشارة الى دعوة ولي العهد السعودي الرئيس الروسي لزيارة المملكة في تشرين المقبل.