فيما تحاول الحكومة والسلطة المالية التأكيد على أنّ سعر الصرف الرسمي ما زال قائماً ومعتمداً، ولا يمكن تعديله في الوقت الحالي، لأنّه سيؤدّي الى تدهور القدرة الشرائية للمواطن بشكل أكبر، إلّا انّ القرارات العشوائية والمجتزأة الصادرة بين الحين الآخر، ترسّخ يوماً بعد يوم سعر الصرف الحقيقي لليرة مقابل الدولار، والذي بات مُعمّماً ومستخدماً في كافة القطاعات الاقتصادية.
إثر حالة التخبط والضياع في كيفية تطبيق إعلام وزارة المالية الرقم 114 حول ضرورة اصدار الفواتير واستيفاء الضرائب والرسوم بالليرة اللبنانية، والذي صدر مُكمّلاً للقرار 893، الذي ينصّ على تسجيل العمليات التجارية بالعملة الأجنبية في سجلات المؤسسة بتكلفة الحصول عليها بالليرة اللبنانية، بدأ التجار وأصحاب المهن الذين اعتادوا التسعير واصدار فواتير بضائعهم المستوردة بالدولار، بتقاضي قيمة الضريبة على القيمة المضافة الـ TVA ، بالدولار، على عكس ما نبّه منه إعلام وزارة المالية، متحجّجين بورقة توضيحات تمّ تداولها حول كيفية احتساب الضريبة على القيمة المضافة، وفقاً لطريق الدفع نقداً بالليرة او الدولار او الشيك المصرفي او البطاقات الإئتمانية.
ورغم انّ وزير المالية غازي وزني، سبق وشدّد خلال مقابلة اعلامية، على انّ إعلام وقرار وزارة المالية لن يؤديا الى رفع قيمة الـ TVA التي كان يتمّ استيفاؤها على سعر الصرف الرسمي عند 1500 ليرة، بل انّ القرار يهدف فقط الى التشدّد في اصدار الفواتير بالليرة اللبنانية حصراً، لكن فعلياً، يتطلّب اصدار الفواتير بالليرة احتساب قيمة البضائع على سعر صرف السوق السوداء. هذا الأمر يرفع قيمة الـ TVA من 1500 ليرة الى 9000 ليرة لكل دولار، أي بنسبة تفوق 600 في المئة، ويزيد أسعار السلع المستوردة حوالى 8 في المئة على المستهلك النهائي. أي انّه على سبيل المثال، في حال كانت قيمة أي فاتورة تبلغ 100 دولار، كان يتمّ تسديد قيمة البضائع بالدولار نقداً وقيمة الـTVA)11%) وفقاً لسعر الصرف الرسمي اي 16000 ليرة، وذلك قبل صدور قرار وزارة المالية. أما اليوم، فإنّ قيمة الـTVA لفاتورة بقيمة 100 دولار باتت 11 دولاراً أي 99000 ليرة. وهذا ما بدأ التعامل به في عدد كبير من المحلات التجارية، متذرعّة بقرار المالية.
في المقابل، يقوم عدد كبير من الشركات والتجار بتأجيل اصدار الفواتير الرسمية حالياً، مقابل الاكتفاء بالاستحصال فقط على قيمة البضائع التي يتمّ بيعها او شراؤها بالدولار، الى حين تحديد آلية موحّدة وواضحة لكيفية تطبيق قرار وإعلام وزارة المالية، وبالتالي فإنّ عدداً هائلاً من الفواتير لا يتمّ اصدارها في الفترة الحالية، مما سيؤدي الى تراجع ايرادات الدولة من الضريبة على القيمة المضافة.
في هذا الاطار، اوضح رئيس الجمعية اللبنانية لحقوق المكلّفين كريم ضاهر، انّ ما يحصل بمثابة هرتقة قانونية. معتبراً انّ وزارة المالية ذكّرت التجار بضرورة تطبيق المادة 25 من قانون حماية المستهلك التي تُلزم اصدار الفواتير بالليرة اللبنانية، وبالتالي فإنّ التسعير بالليرة يستوجب احتساب سعر صرف السوق السوداء وتقاضي الضريبة على القيمة المضافة على قيمة تلك الفاتورة. علماً انّ المادة 18 من المرسوم 7308 التي تحدّد دقائق تطبيق قانون الـTVA، تنصّ على تحويل قيمة الفواتير وفقاً لسعر الصرف الرسمي الصادر عن مصرف لبنان، وبالتالي، اضطرت وزارة المالية الى التحايل نوعاً، ما من خلال العودة الى قانون حماية المستهلك، لأنّ اي قرار في شأن الـTVA سيناقض القانون 37/9/2001 ولن يكون ملزماً.
أضاف: «اما الاستناد الى المادة 25 من قانون حماية المستهلك، سيلزم التجار اصدار الفواتير حصراً بالليرة ووفقاً لسعر صرف السوق السوداء، مما سيؤمّن تلقائياً ايرادات ضريبية أكبر».
واكّد ضاهر لـ»الجمهورية»، انّ ما يقوم به التجار يُعتبر قانونياً ولا يمكن تفاديه، حيث انّهم ملزمون اصدار الفواتير بالليرة، موضحاً انّ الدولة تحصّل الضرائب من المواطنين من خلال التاجر المنتدب من قِبلها، وفي حال تقاعس التاجر عن تنفيذ قرارات الدولة، يُعتبر ذلك بمثابة سوء امانة وتتمّ ملاحقته جزائياً.
وأوضح ضاهر، انّ هذه الآلية لا تنطبق على التجار الوسطيين، لأنّ الضريبة على القيمة المضافة يتحمّلها فقط المستهلك النهائي بنسبة 11 في المئة على السعر الفعلي، الذي تمّ دفعه مقابل أي عملية شراء، مشدّداً على ضرورة ان يعي المستهلك انّ الضريبة على القيمة المضافة تعود ايراداتها الى خزينة الدولة وليس للتاجر، «ولكي تستطيع وزارة المالية الالتزام بالنفقات الواردة ضمن موازنتها من مخصصات لدعم الأسر الأكثر فقراً ولتعويضات انفجار المرفأ او لتأمين لقاحات للكورونا، عليها تأمين ايرادات للخزينة. وقد اعتبرت المالية انّه من غير المنطقي ان تصبح الـTVA واحداً في المئة بدلاً من 11 في المئة عند تسديد قيمة الفواتير بالدولار نقداً، وقيمة الـTVA بالليرة اللبنانية على سعر الصرف الرسمي، لأنّ القانون ينصّ على فرض ضريبة بنسبة 11 في المئة على القيمة الفعلية التي يدفعها المستهلك النهائي».
وفيما اكّد ضاهر انّ هذه الآلية ستؤدي حتماً الى ارتفاع الاسعار بالنسبة للمستهلك النهائي، دعا الدولة الى التشدّد في مراقبة الاسعار وضبطها ومنع التلاعب بها من قِبل التجار، لتفادي المزيد من الارتفاع في اسعار السلع. واعتبر انّه يمكن استدراك الامر، إما عبر اتخاذ قرار بخفض نسبة الضريبة على القيمة المضافة (TVA)، من اجل التخفيف من حدّة الزيادة التي ستطرأ على الاسعار عند التزام كافة التجار بإصدار الفواتير بالليرة، وتحصيل الـTVA على أساسها، او عبر تثبيت سعر الصرف المعتمد.