«وزير خارجية لبنان جان عبيد… حكيم وزراء الخارجية العرب». تسع كلمات فقط في تغريدة على “تويتر” للقائم بالاعمال السعودي في لبنان وليد البخاري، كانت كافية لإطلاق موجة من التفسيرات والاستفسارات حول ما رمى اليه الدبلوماسي السعودي من وراء استحضار هذه الجملة نقلاً عن وزير الخارجية الراحل سعود الفيصل.
قليلة هي المعلومات حول البخاري الذي يتولّى رئاسة البعثة السعودية منذ إحالة السفير علي عواض العسيري الى التقاعد. وهو نادراً ما يظهر في الإعلام، كما أنه نادراً ما يلتقي سياسيين لبنانيين حتى ممن تربطهم بالمملكة علاقات جيدة. والجواب الموحّد لدى سؤال أي من السياسيين اللبنانيين حول الرجل، هو: «لا نعرف الكثير عنه»، لكن قلّة قليلة تعرّف عنه بأنه «رجل أمن واستخبارات»، ما يعني أنه يتصرف على «خلفية الطاعة المطلقة لتنفيذ الأوامر، وحسن التصرف والتمويه». ومن هنا، فإن لذكره عبيد بالاسم، وهو “المرشح الأبدي” للرئاسة، في هذا التوقيت الذي يتحفّز فيه الجميع لالتقاط أي موقف سعودي يزيل اللثام عن الغموض الذي يعتري موقف الرياض، لا يمكن إلا أن تكون له أبعاده ومقاصده.
وإذا كان البخاري قد سحب تغريدته، إلا أن تداعياتها لا تزال تتوالى على الساحة السياسية، وخصوصاً لتزامنها مع تواتر الحديث عن أجواء سلبية سعودية حيال نية الرئيس سعد الحريري اعلان دعمه ترشيح العماد ميشال عون للرئاسة. ولذلك، فُسّرت تغريدة البخاري بأنها “رسالة واضحة لقطع الطريق على حراك الرئيس الحريري، وهي أول موقف سعودي معلن من هذا الحراك، وتعبير عن عدم رضى الرياض على ترشيح العماد عون”، بحسب ما تقول أوساط في تيار “المستقبل” الذي يعرف، أكثر من غيره، فكّ الشيفرات السعودية وأسلوب الرياض في إيصال رسائلها. وتوضح هذه المصادر أن «البخاري، كأعلى سلطة اليوم داخل السفارة، لا يملك ترف التحليل أو التغريد، ووظيفته أن يعكس موقف بلاده. وهو لم يقل ما قاله من عندياته، بل نقل رسالة واضحة من قيادته بأنها تعارض ترشيح العماد عون للرئاسة، وأنها مع البحث عن أسماء غير تلك المتداولة. وهي طرحت اسم عبيد التوافقي لتقول لرئيس تيار المستقبل إن عليه مراجعة مواقفه». ورأت أن «المملكة لا تريد أن تقول للحريري بالفم الملآن إنها تعارض حراكه، لكنها تذكّره بعدم تخطيها».
لكن لماذا عاد البخاري وسحب التغريدة بعد أقل من ساعة على نشرها؟
باختصار لأن «التغريدة أدت غرضها»، وهي لم تكن عصية على التفسير والفهم لتزامنها مع عودة الوزير وائل أبو فاعور من الرياض والحديث عن سماعه موقفاً سعودياً ينأى بنفسه عن التدخل في لبنان، مع الإشارة إلى الإعتراض على انتخاب النائب ميشال عون باعتباره مرشّح حزب الله.
في بداية الشهر الجاري، كان البخاري قد غرّد بجملة، منقولة عن صفحة الرئيس فؤاد السنيورة، ترى أن «سعود الفيصل هو لسان العرب في المحافل الدولية». وتزامنت تلك التغريدة مع بداية الحراك الذي يقوده الحريري. ومنذ ذلك الوقت، ذهب البعض داخل التيار إلى تفكيك الشيفرة السعودية والقول بأن «المملكة تدعم الخط المستقبلي المعارض لعون، لأن من المعروف أن الفيتو السعودي على الجنرال كان عرابه سعود الفيصل».
ليس معروفاً بعد ما إذا كانت التغريدة ستفرمل مساعي الحريري الرئاسية، أو أنها ستفرض عليه إعادة النظر في خياراته، لكن الواضح، بحسب مستقبليين معارضين لترشيح عون، أن «أحداً لا ينبش التاريخ الا ليتكئ عليه في دعم موقفه». والأكيد، بالنسبة الى هؤلاء، أن كلام البخاري لا يندرج في إطار تذكر بعض عبارات الفيصل، وأنه حتماً سيؤثر في مسار الملف الرئاسي وقد يعيده الى النقطة الصفر.