من المفارقات المؤلمة أن حالة توأمة نشأت في لبنان بين أزمتين عاتيتين: الشغور الرئاسي والنفايات! وهي تعكس واقع خلل عند قمة هرم السلطة قاد الى خلل فادح ظهرت نتائجه على المستوى الأدنى المتعلق بالنفايات. مراجعة سريعة لوقائع منتقاة من تاريخ لبنان الرئاسي تكشف الحقائق كما هي دونما حاجة الى تفسير أو تعليل. مرت الرئاسة اللبنانية في مرحلتين، قبل الطائف وبعده، وبينهما فاصل من الحرب الداخلية استمرت لنحو عقد وما يقارب نصف العقد. التجربة الأولى كانت مع رئيس جمهورية قوي هو بشارة الخوري ورئيس حكومة قوي هو رياض الصلح، وأهم ما فيها أن العلاقات بينهما كانت مبنية على احترام التوازن بين جناحي لبنان، والتجربة كانت ناجحة. المرحلة الثانية كانت بين رئيس جمهورية قوي هو كميل شمعون ورئيس حكومة قوي هو صائب سلام ولكن عندما طغت الرئاسة الأولى على الرئاسة الثالثة اختل التوازن على الصعيدين الرسمي والأهلي…
***
كان فؤاد شهاب رئيساً قوياً، والأهم أنه كان صاحب رؤية وطنية وعصرية. ومثّل في نهجه وحدة الوطن بكل مكوناته، وهو أول رئيس رائد حكم بمنطق العدل والانصاف والمساواة والكفاءة، فشعرت طوائف لبنان بأنه هو الممثل الشرعي لها، والمعبّر عن أمانيها وطموحاتها. وساعد عهده على بروز شخصيات تشبهه في القوة المعنوية والنزاهة مثل الرئيس سليم الحص. وكانت تجربة فريدة ويتيمة في آن. بعد الطائف حلّت في رئاسة الحكومة شخصية قوية هي الراحل رفيق الحريري مع وجود شخصية ضعيفة في رئاسة الجمهورية. وتصرف رفيق الحريري على طريقته وأطلق لنفسه أسلوباً عابراً للطوائف، وكان لديه من الحكمة والذكاء ما جعله يحل الأزمات أو يطوقها أو يطفئ فتيلها…
***
بعد رفيق الحريري فلت الملق، وسادت حالة أقرب الى الفوضى، وانتهت الى الحالة التي نعاني منها اليوم. والمال السائب يعلّم الناس الحرام، وأصبح كل من يستطيع من موقعه أن يمد يده الى ما ليس من حلاله، لا يتردد في أن يفعل. والحكومة اليوم أشبه ب خيال صحرا لا تخيف أحداً، ولا تخدع أحداً. ومن أجل حلول مستنيرة للأزمات من النفايات وما فوق، يحتاج لبنان الى رئيس جمهورية قوي ورئيس حكومة قوي يربطهما ميثاق باحترام التوازن بين جناحي لبنان.