IMLebanon

بين جحيم تويتر وجنّة الانستغرام أين يعيش اللبناني؟

 

…وفي حرب الجيوش والحسناوات من ينتصر؟

في لبنان الذي يعيش تناقضاً صارخاً بين شعبه وسياسييه، بين فقرائه وناهبيه وبين واقعه وحالميه، يبدو أن ثمة تناقضاً افتراضياً يعيشه أيضاً على مواقع التواصل الاجتماعي: تناقض غريب عجيب يعكس الواقع وينسلخ عنه، يتفاعل مع الأحداث و لا يأبه لها إنه تناقض النعيم والجحيم بين إنستغرام وتويتر اللذين يتأرجح بينهما اللبناني مذهولاً حائراً يتساءل في أيهما يعيش وأيهما يصدق.

مذ صارت مواقع التواصل رفيقة كل منا وشريكة حياته بات اللبناني يفتح عينيه صباحاً على شاشته ليجول على أخبار الوطن والأصدقاء. والجولة ضرورية في بلد كلبنان ينام على حدث ويفيق على آخر. بين تويتر وإنستغرام والفيسبوك ثالثهما يتنقل يومياً ليجد الأرض تدور فيه ولا يعرف على أي رجل يقف. هل هو على شفير حرب أهلية كما تنبئ تغريدات تويتر أم انه في سويسرا الشرق كما توحي صور إنستغرام؟ سؤال يحيره يدعوه الى التمعن أكثر في ما تنشره المواقع ليعرف اين يقف وما هي حاله وحال لبنان؟ معه نقوم بجولتنا على الموقعين لنعود بمشاهدات غريبة عجيبة.

 

جبهات تويترية

 

مذ وعينا على هذه الدنيا حفظنا اسماء جبهات كثيرة على كل المحاور اللبنانية، حتى أننا حفظنا في السنوات العشر الأخيرة اسماء الجبهات في العراق وسوريا واليمن، أما اليوم فقد صارت الجبهات داخل هواتفنا على مرمى أصابعنا يكفي ان ننقر على عصفور تويتر لتنفتح أبواب الجحيم أمامنا. فالحروب على التايملاين أسرع من حروب الواقع وقد تشتعل حتى قبل أن يفكر مقاتلو الأرض بما يجب اتخاذه من خطوات على أرض الجبهة.

 

فيما مضى درسنا في كتب التاريخ أن مقتل ولي عهد النمسا شكل شرارة الحرب العالمية الأولى وقد كان الحادث جللاً حينها، وأدى الى ما أدى إليه، واليوم وفي لبنان الغارق في المشاكل حتى التخمة، تكفي تغريدة لديما صادق او شربل خليل او واحدة من محور الممانعة ورد من التيار الأزرق حتى تنشب حرب عالمية ثالثة، افتراضية طبعاً، لكنها توازي اشد الحروب شراسة في ما يضخ فيها من تجييش وحقد وشراسة وتحليل للقتل، وما يستخدم فيها من اسلحة وضربات كلها من عيار ما تحت الزنار. ولو استطاع اهل لبنان لما رضيوا بالأزرق لوناً وحيداً لعصفور تويتر بل لاعتمدوا له ألواناً أخرى تتنوع بين الأصفر والأخضر و البرتقالي وتحدوا بها العالم.

 

الهاشتاغ سلاح تويتر السري

 

كنا نسمع عن السلاح الأبيض يستخدم في القتال في الأيام الغابرة، فإذا بنا في زمن “التواصل” نتعرف الى النوع الأسود منه تستخدمه الجيوش والخفافيش وهو سلاح يطال العرض والسمعة والمعتقدات والقيم عبر هاشتاغ مدروس ومدسوس وتغريدات قاتمة تنبش قبور التاريخ وتعيد إحياء الأحقاد الكامنة وتلاعب الفتنة. تغريدات “تنكش” لكل فرد زلاته واخطاءه وتحولها سلاحاً تتوعده بها. الشماتة، الغضب، السخرية، التشفي، الشتيمة، هي الأسلحة التي بها يحارب مغردو تويتر.أما الهاشتاغ، التراند، الريتويت والكومنت فهي ناقلات الجند التي تحملهم الى صفحات الآخرين وتضعهم في مواقع متقدمة على التايملاين.

 

بعض الأحداث المحلية او الإقليمية تحول مجتمع التويتر بسرعة البرق الى ساحة حرب و يتحول التايملاين الى عصفورية يرمي فيه الجميع عقده ومكبوتاته و احقاده..فكل يود ان يدلي بدلوه بشأن الأحداث الطارئة حتى لو كان الدلو فارغاً او مليئاً بالـ”….” وعلى رأي أخواننا المصريين “اللي يسوى واللي ما يسواش” له كلمته في الأوضاع السياسية العسكرية وفي المحاور الاقليمية ولو جاء رأيه على هيئة شتائم تستدعي ردوداً انتقامية غاضبة او شامتة.

 

اغتيال اللواء قاسم سليماني نقل الجبهة التويترية الى مستوى اشد شراسة بعدما شهدت معارك متقطعة إثر ثورة 17 تشرين تنقلت بين جبهات عدة أبرزها جبهتا #جبران-باسيل و# قطاع- الطرق وإن خرقتها من وقت الى الآخر انفراجات سياسية واستراحات فنية (علماً أن الساحة الفنية تشهد بدورها معارك شرسة بين الـ”فانز”)… حادثة نانسي عجرم وزوجها د. فادي هاشم شكلت على رغم من بشاعتها استراحة محارب ليوم او يومين لدى الأخصام وقبلها استراحة رأس السنة لتعود المواقع الى الاشتعال من جديد على إثر خطاب السيد حسن نصرالله وتوعده بالرد على اغتيال سليماني.

 

وكما لتويتر مجانينه كذلك له عقلاؤه وحكماؤه وإذا شئت أن تكون محايداً وتكتفي بمراقبة أهل المنطق والعقل والحكمة فحينها تصاب بالاكتئاب والإحباط والهلع مما سيأتي. إذ بعيداً من سجالات الجيوش الالكترونية والحرب بين جماعات الممانعة والسيادة تسمع وتقرأ وترى أن لبنان بات في الهاوية اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً واخلاقياً وان المنطقة على شفير حرب مخيفة. فتجد نفسك وقد هربت من معارك الجيوش المتناحرة الى تنبؤات العقول المخيفة وانتقلت من تحت الدلفة الى تحت المزراب.

 

لالا لند…

 

فجأة وفيما أنت غارق في تغريدات ترامب وما أجاب به مرشد الثورة، ينبئك هاتفك بان إحدى الصديقات قد نشرت “ستوري” على انستغرام فتنتقل بحشرية الى الموقع الآخر لتعرف جديد تلك الصديقة. تنزع عنك الخوذة وتترك موقعك وتذهب في مأذونية الى انستغرام لترى ما يحدث. هنا بزحطة اصبع تعبر بوابة زمنية تنقلك الى عالم آخر، وبعد ان كنت تعيش في جحيم تويتر وتنام خائفاً من أن تنشب الحرب في الصباح تظن وكأنك انتقلت الى لالا لند، الى عالم من السحر والهدوء والسلام…

 

على انستغرام كل شيء زاه، فرح ملون. يغرقك ببحر من الترف والجمال. وتتساءل بدهشة من هم هؤلاء الناس على الستوري وفي البوستات؟ اين يعيشون؟ هل تعطيهم المصارف أكثر مما تعطينا، هل يحصل ابناء الإنستا على أموالهم من البنك أكثر من جماعة تويتر؟

 

في جولة سريعة على الستوريز عند الأصدقاء والمشاهير تجد نفسك في كوكب مخصص للسهر والـ events والرقص والسفر واستعراض المفاتن. حتى أنك تجد استعراضاً لأنواع الأطباق الشهية الجميلة التي تصورها جماعة الانستغرام قبل أن يتذوقوها فيما أنت “شم ولا تدوق”. وتجد فيديوات لأحدث صرعات الماكياج ينفذها الخبراء على الشاشة أمامك مباشرة أو عروضاً لآخر موديلات الأزياء وكأن همّ اللبنانيات الأوحد اليوم هو مواكبة هذه الصرعات عند مرافقة لبنان الى الهاوية.

 

مواسم غريبة عن الواقع

 

وعلى انستغرام مواسم تفرضها روزنامة الوطن ولكل منها إتيكيت خاصة يلتزم بها أهل الموقع مهما اشتدت ظروف الوطن. ففي موسم الميلاد تجد كل اصدقائك: مسيحيين، مسلمين وبوذيين قد نزّلوا صوراً لهم و للعائلة أمام شجرة الميلاد المزينة بزينة وحده الله يعرف كلفتها، وقد اضيف الى كل عائلة ضيف كريم لا يكتمل برستيج الصورة من دونه هو puppyاو الكلب الصغير الذي بات نجم الإنستا ورفيق العائلة في زمن التواصل.

 

قبل الميلاد كان موسم الثورة. في بداياتها تبارت الـ”فاشونيستاز” في ما بينهن من تنزل أجمل صورة لها من الساحات حتى انهن اشترين ملابس خاصة بألوان الثورة ورسمن العلم على وجوههن فبدون ثائرات جميلات يتصدرن أرتال المعترضين ويشاركن في الهتافات. بعضهن ولضرورات الصورة أشركن أطفالهن في الساحات فحملوا الأعلام ولوحوا بها ببذلاتهم الجميلة ليختفوا بعدها عن الصورة. لكن على خلاف ثائري تويتر لم “تنبس ثائرات إنستا ببنت شفة” على صفحاتهن ولم يعبرن عن رأي فالصورة تغني عن ألف كلمة والثورة أنثى. أفلا يحق لها أن تكون أنثى مثيرة؟

 

خمدت حماسة الثورة والثائرات لكن حماسة انستغرام وناسه لم تنطفئ بل استعدت لاستقبال موسم جديد هو موسم الثلج. الـ influencers على أتم الجهوزية: ملابس التزلج جاهزة وكذلك كريمات الشمس والنظارات العاكسة. الموسم يبدأ من سويسرا من Meugeve, courchevel وتبدأ صوره الأولى بالتساقط من هناك ليحط بعدها الرحال في فقرا وفاريا. الصور جميلة وكأن اصحابها في جنة، فرحة وأنيقة لكنها تبعد آلاف السنين الضوئية عن واقع لبنان. فهنا يكاد اللبنانيون يفتقدون الثلج في ثلاجات المنازل مع الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي والمشوار الى القمم يكلف ثروة صغيرة. لكن رغم كل الصعاب يأبى مجتمع الانستغرام التغييب عن الموسم وربما يكون انتظار تكدسه على جانب الطرقات تحت 800 م خير وسيلة للحصول على صور الثلج التي لا بدّ منها.

 

وكما لتويتر رؤوس حربة في حروبه الدائمة كذلك لانستغرام نجومه ونجماته وله ساخروه ومنتقدوه. بعض حسناواته انتقلن من المحلية الى العالمية: كارن وازن، لانا الساحلي، إيفا مقدسي، ريري دادا او ريتا تامر (والى جانبهن بعض اهل الفن والمجتمع) بتن أيقونات للجمال والموضة ورغد العيش يترقب اللبناني صورهن في زمن القحط الاقتصادي والإحباط النفسي علهن يدخلن الى النفوس شيئاً من الأمل بان الحياة مستمرة و The Show must go on. مسرحية الحياة الطبيعية في لبنان تستمر على صفحات الإنستغرام وتتخذ فصولاً جديدة مع كل صباح تضخ جرعة تفاؤل وهمي في نفوس المتابعين. هنا الأفراح عامرة وحسناوات الفن والمجتمع في أبهى ايامهن، يتبارين أناقة وإثارة وسفراً، صراع الصور بينهن يأخذ مكان معارك الرأي ونسبة اللايكات تحسم نتيجة المعركة. أما نجوم النقد على انستغرام فهم مثل جحا “ما فيهم إلا على خالتهم” نقدهم لا يطال احداث البلد ولا يذكّر بأوضاعه البائسة بل يدور في مكانه ويتناول مظاهر نافرة لزملاء لهم على إنستغرام ذاته.

 

في ختام الجولة نخرج من عالم وهمي يتلطى خلف شاشة هشة لنعود الى واقع يتأرجح بين التمسك بأمل الاستمرار بحياة عرفنا نعيمها و الخوف من غدٍ نخشى جحيمه.