تقول التجربة إن أي ضربة عسكرية أميركية أو غربية ضد مواقع النظام السوري، لن تكون مؤثرة إلى الحد الذي تهدد بسقوط بشار الأسد وحكمه. هذا إذا وقع الهجوم بعد مستوى التردد العالي الذي أضفاه الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى المسألة برمتها في تغريداته الأخيرة في شأن الرد على استخدام الأسد السلاح الكيماوي في الغوطة.
الصواريخ «الجميلة والجديدة والذكية» التي قال ترامب قبل يومين إنها آتية إلى سورية، قد تأتي قريباً وقد تتأخر، وفق ما أوضح لاحقاً. وقد لا تأتي أيضاً، ذلك أن ما من شيء يدعو إلى الاعتقاد بأن قراراً في شأن الضربة قد يتخذ سريعاً، مقابل غياب مواز لأي معطى ينفي قرب اتخاذ هذا القرار. العملية المعقدة التي ينبغي أن يمر بها تحول أي موقف إلى غارة جوية أو صاروخية، تأخذ في الاعتبار الحسابات الداخلية للرئيس المحاط بسلسلة لا تنتهي من الفضائح والمشكلات وبالتوقعات بخسارة حزبه انتخابات الكونغرس الجزئية بعد شهور.
وكأن الساحة السورية كان ينقصها بعد هذه اللزوجة والتردد اللذين يعكسان وضع ترامب المهتز وسياساته المضطربة وتغييره الدائم للطاقم المحيط به. بيد ان ذلك يفتح الباب أمام ممارسة سياسية تقليدية أيضاً: تصدير الأزمات الداخلية إلى الخارج، إذا ضمن المُصدّر عدم ارتداد صادرته إليه مع مضاعفاتها المشؤومة.
يضعنا هذا أمام موقف جديد، مشابه للمفترقات التي تعمل وفقها خوارزميات الحاسبات الآلية: «إذا اتخذ ترامب قرار القصف سنكون في الوضع «أ» وتبعاته تتدرج من عدم التأثير الكامل على غرار ما جرى بعد قصف مطار الشعيرات قبل عام، إلى مستوى إصابة نظام الأسد بالشلل وتعرقل خططه وخطط حلفائه السياسية والعسكرية. وإذا لم يتخذ القرار بشن عملية عسكرية سنكون أمام المتسلسلة «ب» التي تؤدي إلى متابعة الأسد وأنصاره مسارهم السابق». كثرة المعطيات والمحفزات والموانع لا تفعل غير تعقيد وضع شديد الغموض والتعقيد أصلاً.
لكن الجانب الآخر من الساحة لا يقل اضطراباً. إسراع علي ولايتي كبير مستشاري المرشد الإيراني علي خامنئي إلى زيارة سورية والتجول في الغوطة بعد أيام من اقتحامها، إضافة إلى ما يقال عن إجراءات أمنية واحتياطات عسكرية تتخذها القوات الإيرانية والميليشيات التابعة لها، تقول كلها إن التحالف الإيراني – السوري – الروسي يشعر بانزعاج شديد مما يصدر عن العواصم الغربية حتى لو لم يتجاوز الكلمات وأوامر تحريك القطع البحرية إلى قرب الشواطئ السورية.
يستحق هذان التحرك والانزعاج نظرة ثانية. فالرطانة الممانعة تُصرّ على أن ما من شيء سيغيّر الواقع الذي فرضته الانتصارات التي حققتها القوات الموالية للأسد، منذ كسر المد المسلح للثورة في حمص مروراً بالاستيلاء على حلب الشرقية وتحطيم رمزية المقاومة في داريا وصولاً إلى جعل «الباصات الخضراء» التي تنقل المسلحين المنسحبين من الجبهات الساقطة إلى الشمال، علامة على فشل الانتفاضة السورية. في المقابل، يكشف الذعر الإيراني والرسمي السوري أن هذه الانتصارات تفتقر إلى العمق الذي يجعلها راسخة لا راد لها في مستقبل سورية. ويضع الذعر من ضربة اميركية قد لا تحصل علامة استفهام كبيرة على قدرة النظام السوري وحلفائه على الإمساك بالوضع في البلاد من دون غطاء دولي للأمر الواقع الجديد خصوصاً أن الحليف الروسي لا يبدو شديد الإخلاص للأسد، على ما يُفهم من تعامله الفاتر مع الغارة الإسرائيلية على مطار التيفور الذي قالت تل أبيب إن الروس كانوا على علم مسبق بها.
ولعل في هذا «التوازن» بين مجموعة من التغريدات الصادرة عن رئيس مهتزة الثقة الداخلية فيه وحالة الارتباك التي يعيشها التحالف الإيراني – السوري- الروسي، مؤشر إلى هشاشة ما يجري الإعداد له من مستقبل لسورية.