Site icon IMLebanon

«التغريد» لمواجهة السيطرة الإيرانية!

 

يبدو كثير من الردود على الرئيس الإيراني حسن روحاني أشبه بفقاقيع الصابون. ويمكن لمسؤولين لبنانيّين أن يعلنوا رفضَهم القاطع للسيطرة الإيرانية على القرار اللبناني، بل من واجبهم أن يفعلوا ذلك، ولكن هل لديهم الحجج المنطقية لإنكار أن لا شيءَ يمرّ في لبنان إلّا بموافقة إيران؟

هناك مَن يستغرب ردود بعض المعنيين على تصريحات روحاني في لبنان. وهذا الاستغراب مبني على سلسلة ركائز مترابطة:

1- قال روحاني إن لا قرارَ أساسياً يمرّ في لبنان من دون موافقة إيران. وعلى هؤلاء المعترضين أن يقولوا أملاً: هل قوله هذا صحيح أم لا؟

2- إذا كان صحيحاً، ماذا يفعل هؤلاء المعترضون لمواجهته، بشكل قرارات على طاولة مجلس الوزراء لا بشكل «تغريدات» على مواقع التواصل الاجتماعي؟

3- أليست صفقة 2016 السلطوية هي التي تقود البلد في اتجاه المحور الإيراني؟

4- ألا يعتقد المعترضون أنّ اعترافَهم العملاني بمشروعية دور «حزب الله» في سوريا وتغطيتهم له، وتسليمهم بهذا الدور في عمليات تحرير جرود عرسال، هي أكبر تدعيم للنفوذ الإيراني؟

5- هناك اعتراضٌ خارج الحكومة وداخلها على سياسة التطبيع مع نظام الرئيس بشّار الأسد في سوريا. وتلوِّح «القوات اللبنانية» بالاستقالة من الحكومة إذا استمرّ مسارُ التطبيع. فما موقف بعض المعترضين على كلام روحاني من هذه الاستقالة المحتمَلة؟ هل يفضّلون السيرَ نحو التطبيع، ولو من دون «القوات»؟

وعادةً، لا تتبجّح إيران وحليفُها «حزب الله» بالدعايات الإعلامية، حتى في الحروب. وميزة هذا المحور أنه يعلن الوقائع – إجمالاً وغالباً- في شكل صحيح وبعيد من التضخيم. لكنه يستند إليها لممارسة عروض قوة فائقة الضخامة بهدف دفع الخصوم إلى الرضوخ. ولذلك، عندما يعلن روحاني أنّ أيَّ قرار لا يمرّ في سوريا والعراق واليمن من دون إيران فهو لا يعلن أمراً جديداً. والجميع يدرك أنّ قوله في محلّه الصحيح.

وهناك أدلّة على ذلك:

1- في لبنان: هناك انزلاقٌ متدرِّج منذ العام 2005 في اتّجاه إمساك «حزب الله» بالسلطة. وجاءت صفقةُ 2016 لتكرِّسَ هذا الاتجاه. وتراجُع قوة «14 آذار» وتفكُّكها لا يحتاجان إلى إثبات. وفي الحكومة الحالية يبدو «الحزب» القائد الاستراتيجي الفعلي، فيما غالبية الآخرين يملأون الوقت والفراغ، ويعوِّضون النقص بالمناوشات حول الصفقات والمكاسب الصغيرة. وفي المرحلة المقبلة، سيكون نجاحُ الترابط بين لبنان والأسد تتويجاً لهذا المسار.

2- في سوريا: يحظى الأسد بتغطية إقليمية ودولية واضحة. فهو اجتاز كل المطبّات واستطاع تكريس سيطرته على «سوريا المفيدة»، ولا سيما العاصمة دمشق. وهو «يرث» مناطق نفوذ «داعش» وأخواتها. وليست هناك أيُّ شكوك في أنّ الأسد باقٍ في السلطة حتى انتهاء التسوية السياسية بالتأكيد، وهو سيكون موجوداً بعدها على الأرجح.

3- في العراق: استطاعت الحكومةُ المركزية، بدعمٍ إيراني، توسيعَ بقعة نفوذها على مناطق سنّية جرى تحريرُها من «داعش». وفوق ذلك، أُعطيت الضوء الأخضر لإخضاع الأكراد. وجرى انتزاعُ كركوك منهم، بمباركة دولية وإقليمية.

4- في اليمن: يسيطر الحوثيون على العاصمة صنعاء، ويهدّدون الخاصرة السعودية وحركة الملاحة البحرية في المناطق المحاذية.

وتقيم طهران جيشاً واحداً يمتدّ من حدودها إلى شاطئ المتوسط، هو عبارة عن مجموعات من الميليشيات والجيوش، أبرزها «حزب الله»، تديرها بجدارة تحت إشراف «الحرس الثوري»- «فيلق القدس» بقيادة واحدٍ من أكثر العقول حنكةً وخبرةً هو اللواء قاسم سليماني.

وهناك 3 قوى إقليمية يهمّها حصر النفوذ الإيراني:

– المملكة العربية السعودية التي يبدو أنها باتت تراهن على إدارة الرئيس دونالد ترامب للقيام بهذه المهمة، خصوصاً بعد الصفقات الهائلة التي عقدها مع السعوديين خلال زيارته للمملكة.

– تركيا التي تتقاسم النفوذَ براغماتياً مع إيران، ويهمّها خصوصاً ضرب الأكراد لئلّا يصحو حنينُهم القومي على دولة مستقلة، ما يهدّد بانفراط كياناتٍ في المنطقة، بينها إيران وتركيا.

– إسرائيل التي يهمّها حصر مناطق النفوذ الإيراني بعيداً عنها.

ويراهن ترامب على أنّ أفضل وسيلة لضرب محاولات إيران للتمدّد في الشرق الأوسط هي حرمانها من الامتيازات التي تكفّل بها الاتفاق النووي في زمن الرئيس باراك أوباما. وهو يعتقد أنّ مليارات الدولارات التي استفادت منها إيران، بالإفراج عنها وبالاستثمارات، تصبّ في خدمة تدعيم النفوذ في المنطقة. وفوق ذلك، ليس هناك ما يجزم بأنّ مشروع إيران لبناء قنبلة نووية قد توقف فعلاً.

إذاً، إيران تسيطر على القرار في الشرق الأوسط رغماً عن كل المُنادين بعزلها، وهي تستفيد من وجود انشقاق إقليمي- دولي حول طريقة التعاطي معها.

وسبق لنظام الأسد وإيران أن سيطرا على القرار في لبنان، لسنوات طويلة، بتقديم إغراءات وخدمات ومهمات للقوى الدولية، ولاسيما الولايات المتحدة وأوروبا. وتكفّل الأسد بمهاجمة خلايا الإرهاب التكفيري في لبنان وسوريا معاً، فلم يعترض أحدٌ في الغرب على هذه المهمة، ولو كان الثمن فقدان لبنان لقراره السيادي.

اليوم، تمضي الحكومة اللبنانية سريعاً نحو معادلة شبيهة بالمعادلات السابقة، حيث القرار الأقوى فيها هو لـ«حزب الله»، ومن خلاله الأسد، وإيران خلف الجميع. وتركيبة السلطة القائمة حالياً مثالية للإنحناء. وتالياً، إنّ اعتراضَ أيّ ركن من أركان هذه التركيبة على تصريحات روحاني ليس سوى فرقعة في الهواء الإنتخابي.