IMLebanon

حالتان تجعلان السعوديّة تقبل عون رئيساً للجمهوريّة

إنّه خطاب العهد الجديد. هكذا أجمعت الأوساط السياسيّة على وصف كلمة العماد ميشال عون في الحشود التي احتشدت على طريق القصر الجمهوريّ في بعبدا. لم يضف شيئا جديدا على أدبياته المتوازنة. كانت اللحظة تسكنه فتسكبه جديدا ومتجدّدا وفي الوقت عينه منتظرا اكتمال العقد الميثاقيّ في ترشيحه وكمال الرؤية المكنونة في كليّة اللحظة وامتدادها ليس إلى قصر بعبدا ليقيم فيه رئيسا، بل إلى جمهورية متمزقة، مقطعة الأوصال، تحتاج الى سهر مضن وجهاد كبير وعملية جراحية دقيقة جداً تعنى بوصل ما انقطع وبخاصة تلك الأوردة الرئيسيّة حتى يسري الدم فيها معيدًا إليها الحياة.

جوهر خطابه، بناء الوطن، وتحقيق الميثاق. فلا عمارة تعلو شاهقة بلا أعمدة راسخة في الأرض، إنّها الأعمدة الميثاقيّة النابضة والساطعة، وعليها تستقيم المرحلة الجديدة. لقد حدّد آليات البناء بمواصفاتها الواقعيّة بدءًا «باحترام الدستور والميثاق والقوانين والمشاركة المضمونة والمتوازنة لكل الطوائف دون كيدية أو عزل أو قهر». فالعزل والقهر طريقان لانفجار البلد والحكم والحكومة والجمهوريّة، وقد دلّت التجربة اللبنانية على ذلك، سواء في الحرب الأخيرة منذ سنة 1975 أو مع تطبيق اتفاق جعل مكوّنًا جوهريًّا ورئيسيًّا للبنان خارج السياق، والسياق الأخير المنغرس منذ سنة 1990 في أصله وجد لغير المسيحييين بل لقهرهم وعزلهم تمهيدًا لإخراجهم من الدائرة اللبنانيّة.

ليس للعماد عون حتمًا أن يدخل في ثقافة الزواريب، ويبثّها وهو أساسًا لم ينتمِ لحظة واحدة إليها، لقد أوجز في خطابه مجموعة مبادئ راسخة في الأصل ضمن أدبياته ونضاله في المعنى والمبنى في الجوهر والمظهر، وعلى أساسها انطلق نضاله وينطلق من جديد مشروعه الرئاسيّ. سنتجاوز كلمته وما سيتحدث به عن الحشود بكميتها ونوعيتها إلى سؤال يجب أن يطرح بإلحاح لماذا الرئيس سعد الحريري وبحال أخذ الموافقة السعوديّة على قبوله ترشيح العماد ميسال عون، علمًا أنّه يفترض بأن يكون أي قرار بهذا الخصوص ذا خصوصيّة لبنانية غير متصل بمشيئة أخروية تتدحرج على الأرض بثقلها وتأثيرها، بقضّها وقضيضها، لتلغي بمحتوياتها الخصوصية الذاتية وتبطل فعلها، فتبقى الأرض اللبنانيّة ساحة مستوردة للآخرين؟

وبغضّ النظر عن التوق المشار إليه، إلاّ أن لبنان بكلّ عناوينه السياسيّة ما كان سوى وعاء للسعودية وسوريا وإيران والولايات المتحدة الأميركية وروسيا، وعاء تتكدّس فيها المصالح أحيانًا ضمن تجانس كيميائيّ فيرتضي اللبنانيون التسوية، أو انفجار كيميائي لينفجر البلد. في المعطى الحاليّ، تتضارب المعلومات حول قبول الرئيس الحريري بترشيح العماد عون وتسهيله في المجلس النيابيّ، أو الاعتذار ليقف لبنان على ضفة أخرى من الأزمة. شخصيّة سياسيّة مواكبة تعتقد بأنّه لا يجب التسرّع في استنباط نتائج لا تقوم على معلومات دقيقة بل على مجموعة أوهام وأطروحات غير واقعيّة. السؤال المطروح بدقة لا متناهية ما هو المضمون السياسيّ للترشيح؟ ذلك أنّ الانكباب بطوباويّة فائقة على شكلانيّة الترشيح يوقع البلد بمجموعة إشكاليّات ضيقة ما تلبث أن تتحوّل إلى إشكالات وإذا ما توسعت فمن شأنها أن تتحول إلى انفجارات. المضمون السياسيّ وبحسب قول تلك الشخصيّة ليس مفصولاً عن تطورات الحرب من سوريا إلى اليمن، ومن يقل غير ذلك يكن واهيًا. ولذلك وبحسب تلك الشخصيّة، المسألة تجيء من حالتين:

-الحالة الأولى: إمّا أن السعودية قبلت العماد عون رئيسا لتقاطع مصالحها مع إيران في التسمية والدعم، فتؤول الأمور إلى «ميني تسوية» تنطلق من ترشيح العماد عون لتصبّ نحو مساحة المشرق المشتعل، فيكون العماد عون الفضاء المتسع لهذا النوع من التقاطع.

-الحالة الثانية إمّا أن السعودية أوعزت لسعد الحريري بقبول الترشيح وانتخاب عون فيما بعد فتجعل من رئاسة الحكومة متراسًا للقصف على جبهة الممانعة أي إيران وسوريا وحزب الله وروسيا، ممّا يدخل لبنان في أتون صراعات مذهبيّة، وتقود تلك الصراعات حتمًا إلى غالب ومغلوب كما حدث في اتفاق الطائف.

لكن وبحسب تلك الشخصيّة بأنّ الحريري لم يسمِّ العماد عون ويدعو لانتخابه بصورة علنية فماذا سيكون الموقف؟ ستتعقّد الأمور اكثر فأكثر ويكون لبنان امام محطات نازفة بدلاً من أن يكون أمام محطات مشرقة وبنّاءة. ما يجب فهمه وبدقّة أنّ أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، فتح بابًا واسعًا لسعد الحريري، بما معناه أنّه أعطاه الفرصة، لكن هل يملك القدرة على الاقتحام وأخذ القرار؟

تجيب مصادر من التيار الوطنيّ الحرّ، بأن لبنان على قاب قوسين من التسمية، وبحكم التجارب فإنّ التيار مع عماده ورئيسه جبران باسيل يقاربون تلك المسألة بحذر شديد على الرغم من التفاؤل باقتراب النتيجة المرجوّة. ثمّة ثقة تولّدت بالرئيس سعد الحريري، وسيدرك سعد أنّ التظاهرة الحاشدة اليوم على طريق القصر في بعبدا، هي وجه العماد عون وحيثيته. والثقة قائمة على أنّ الحريري في حديثه إلى العماد عون، أكّد على تلك المسلّمة بأن يتمّ ترشيح العماد إلى الرئاسة على أن يأتي الحريري رئيسا للحكومة. سعد وبحسب تلك المصادر بحاجة الى تموضع جديد، فهو يحدّد نوعية الخطاب معه على المستوى الداخليّ كما على مستوى علاقة لبنان بالخارج وبخاصّة بالمملكة. الحريري وبحسب تلك المصادر يحتاج الى رئاسة الحكومة اليوم قبل الغد.

وعلى الرغم من الأجواء التفاؤلية القائمة عند تلك المصادر، فإنّ النقاش لا يستوي أو ينحصر بشكل الإرادة الحريرية، بل بالمضمون السياسيّ. فالحكم لا يستقيم على الشكل، بل على المضمون. فهل يكون المضمون ميثاقيًّا استلهامًا لفكر ميشال شيحا، والمتجسّد فعليًّا مع بشارة الخوري ورياض الصلح، أي بتحييد لبنان عن الصراعات وعدم حياده عن الصراع العربيّ-الإسرائيليّ، أو سيكون المضمون استلهامًا لفكر جورج نقاش: «نفيان لا يؤلفان أمّة واحدة» فنكون أمام مرحلة جديدة من الشجار الآخذ البلد إلى حروب مستولَدة ومستوردة.

المهلة تنتهي في 31 تشرين الأول الجاري، كلّ العصف السياسيّ والفكريّ ينبغي ان يتمّ الاتفاق على معطياته قبل الوصول إلى تلك اللحظة. وينصح مصدر سياسيّ بأن يدعو الرئيس نبيه بري بحال أعلن الرئيس الحريري دعمه لترشيح العماد عون أو لم يعلن لطاولة حوار تنزع فتيل الأزمة من الشارع، وتحيي النقاش حول الطاولة، وتتواصل بوضوح مع عناصر الأزمة، أزمة الترشيح وأزمة الانتخابات النيابية وأزمة الوجود المسيحيّ ومكتسباته، وعلاقة المكونات بالعاصفة في سوريا. تلك عناوين يجب مقاربتها ومقارعتها وفق استراتيجيّة تفهم الواحد الآخر، فتكون مسرى لحكم يرمّم بالاتفاق المتكامل الأجزاء بين العماد عون والرئيس برّي والرئيس سعد الحريري. يجب توضيح المضمون السياسيّ وتفعيله للمراحل المقبلة، فعلى الرغم من الطراوة الإيجابية يبقى أننا أمام عقبات ونفيّات يجب أن تذلل وقائعها بين القوى بالحدّ المعقول ليصار إلى تسوية حقيقية تكون هي مضمن الحكم الجديد.

الأسبوع الآتي، هو النمط بين عقد القرآن أو الفراق. وعلى اساس ذلك ينطلق المعطى السياسيّ الجديد المرتبط بالمنطقة كلها بالاستقلال حينًا او الاستدلال أحيانًا. لننظر ونرَ.