لعله من المبكر الحديث عن الاستنتاجات النهائية للعدوان الاسرائيلي الذي استهدف المنطقة التي يتمركز فيها مكتب العلاقات الاعلامية في “حزب الله” في شارع معوض في الضاحية الجنوبية. بالأمس انشغلت الجهات الامنية اللبنانية كما “حزب الله” في تحليل تفاصيل الاستهداف والاتجاه الذي سلكته الطائرتان الاسرائيليتان. أسقطت التقديرات الأولية فرضية أن تكون الوجهة التي سلكتها طائرات التجسس الانتحارية من البحر باتجاه الضاحية، لأن البحر منخفض، حسب مصادر أمنية لبنانية مشاركة في التحقيقات، واستخدام هذا النوع من الطائرات يجب أن يتمّ من مكان مرتفع، وحسبما تبين فإن الطائرتين استهدفتا مبنى المكتب الاعلامي من الخلف حيث توجد مساحة أرض خالية من المباني مطلة على نطاق بعبدا والحازمية وكفرشيما.
وليست مستبعدة فرضية استخدام أي عميل إسرائيلي تلة ما موجودة في تلك المنطقة. على أن مثل هذه الفرضية منطلقها طبيعة الطائرات التي استخدمتها إسرائيل.
أما لناحية الجهة المستهدفة فقد يؤشر إليها كلام الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله ووصفه الاعتداء بـ”الخطير جداً جداً جداً”. وإن كان الاعتداء بحد ذاته يتطابق وهذا التوصيف إلا أن احتمال استهداف إسرائيل شخصية على جانب من الأهمية في “حزب الله” ليس مستبعداً أبداً، خصوصاً أن مكان الاعتداء الذي وصفه السيد نصرالله بأنه حصل بـ “مسيّرة مفخخة وانتحارية”، لا يبعد عشرات الأمتار عن مكان اغتيال القيادي في “حزب الله” غالب عوالي العام 2004 على أيدي اسرائيل وعملائها.
وسرت معلومات آثر “حزب الله” عدم تأكيدها أو نفيها عن إمكانية ان تكون العملية الاسرائيلية استهدفت مركزاً أمنياً مهماً يتردد إليه القيادي البارز في “حزب الله” والنائب السابق محمد حيدر المعروف بـ (أبو علي حيدر)، والذي يتسلم حالياً الملف السوري ويتابع تفاصيله إضافة إلى ملف الجنوب عسكرياً وأمنياً.
ويُعد حيدر من القيادات الأمنية البارزة التي تلعب دوراً محورياً في منظومة “حزب الله” الجهادية بعد عماد مغنية ومصطفى بدر الدين، وإذا كان ما تقدّم صحيحاً فتكون إسرائيل بذلك “لم تتجاوز الخطوط الحمراء وتعمد إلى تغيير قواعد الاشتباك المرسّمة منذ صدور القرار 1701 وحسب، وإنما فتحت أمامها أبواب جهنم”، بحسب تعبير قيادي بارز في قوى 8 آذار.
ويدرك “حزب الله” أنّ الاستخبارات الإسرائيلية متى أرادت استهداف أي شخصية قيادية في صفوفه فقد تفعل من خلال عملائها، من دون الأخذ في الإعتبار المكان الذي تقيم فيه هذه الشخصية، حتى ولو كانت في عمق الضاحية الجنوبية وفي منطقة آهلة بالسكان. وهذه هي الأماكن التي يقيم فيها هؤلاء بطبيعة الحال بين أهلهم وبيئتهم، رغم أن عادة مسؤولي “حزب الله” الابتعاد عن مظاهر المغالاة في المرافقة أو ما شابه، الأمر الذي يسّهل عليهم أن يقطن أي منهم في أي مبنى سكني من دون حتى أن يدرك جيرانه بأنه مسؤول في “الحزب”.
وبحسب المعلومات المستقاة من “حزب الله” الذي لا يستبعد من بين فرضياته أن يكون المقصود إجراء نوع من المسح الجوي وجمع المعلومات تحضيراً لتنفيذ أي نوع من العمليات الأمنية بما فيها عمليات الاغتيال لاحقاً، فإنه قد لا يكون المقصود استهدافاً لشخصية ما، إنما التحضير لعمل ما، خصوصاً وأن إسرائيل قامت بعشرات عمليات المسح المماثلة من قبل، لكن ما أضاء هذه المرة على الموضوع هو سقوط الطائرة المسيّرة الأولى وانفجار الثانية.
ومهما كانت الفرضيات والاستنتاجات والنتائج المنبثقة منها لاحقاً فهذا يعني حقيقة مؤكدة يختصرها “حزب الله” بالعبارة التالية: “بتنا في بداية مرحلة جديدة تحسب فيها الأمور بدقة بالغة، وقد تتدحرج في أي لحظة، وتدفع في اتجاه المواجهة، وفي حال وصلنا إلى المواجهة فلن تكون محصورة في مكان وإنما ستفتح الجبهات وهذا ما سيجعل الإسرائيلي وغيره يعد لحسابات كبيرة. ذلك أن المقاومة لن تسمح أبداً بالمس بمعادلات الردع التي تم تثبيتها في سنوات بعيدة”.