Site icon IMLebanon

وفدان برلماني فرنسي وأمني إسباني في دمشق خلال أيام

على طاولة الرئيس السوري بشار الأسد، يوجد موعدان أوروبيان مهمان يصادف توقيتهما نهايات الشهر الحالي وبدايات الشهر المقبل.

بحسب معلومات خاصة لـ«الجمهورية» فإنّ هذين الموعدين اللذين تمّ تحديدهما الشهر الماضي بعيداً من الإعلام، يُجسّدان مساراً من السلوك الأوروبي الجديد تجاه الأزمة السورية بدأ منذ اشهر، وأبرز سماته أّنّ الدول الاوروبية تتّجه كلٌّ منها على حدة لبناء علاقات منفردة مع النظام السوري، وأكثر من ذلك فإنّ بعض هذه الدول يُنشئ علاقات ما دون حكومية معه عبر آلية ملتوية قوامها أنّ القوى السياسية الحاكمة فيها تغضّ الطرف عمداً عن كتل نيابية أو أحزاب معارضة أو أجهزة أمنيّة من دولها تقصد دمشق وتقيم تفاهماتٍ مع الحكومة السورية حول قضايا ليست دائماً أمنية، بل سياسية أيضاً.

يَشي هذا الوضع بأمور أساسية عدة، أوّلها أنّ السياسة الأوروبيّة تجاه الأزمة السورية ليست موحّدة، وأقلّه لا تملك رؤية جامعة تجاه أحداثها ومجريات النزاع الدولي والاقليمي الجاري فوق الميدان السوري العسكري والأمني والسياسي.

وثانيها أنّ الاتحاد الأوروبي الذي لا يزال يملك سفارة تمثله في دمشق، لا يلعب دور «المايسترو» الموجّه والمحدّد لموقف أوروبا من الأزمة السورية، بل هو تحوّل مجرّد «مكان» للنقاش غير الملزم للدول الأوروبية في خصوصها وليس للتقرير في شأنها.

وثالثها أنّ طفرة النزوح السوري الى أوروبا جعلت الأوروبيّين مضطرين الى «حوار أمني»، وأحياناً «سياسي»، مع النظام السوري لضبط إيقاعات تدفق النازحين السوريين الى دولهم، ولمنع «داعش» من استغلاله عن طريق دسّ خلاياها النائمة بين طوابيرهم المتدفقة الى القارة البيضاء.

وبحسب معلوماتٍ أوروبية فإنّ عدد النازحين السوريين في اوروبا تجاوز المليون والخمسين ألف نازح، وفي داخل دول الاتحاد الأوروبي بلغ ٦٨٠ الفاً. وكان عددهم في اوروبا خلال العام الماضي بلغ ٦٥٠،٥٦١ ما يعني أنّ زيادة نسبتهم تُسجّل ارتفاعاً سريعاً.

موعدان أوروبيان مع الأسد

ويفيد أحدث تفاصيل حراك الاوروبيّين للانفتاح على دمشق، أنه تمّ خلال الشهر الماضي بعيداً من الأضواء تحديد موعدين لوفدين أوروبيّين منفصلين مع الرئيس بشار الاسد، الأوّل سيَحين موعده خلال الاسبوع الاخير من الشهر الجاري، وقوامه وفد برلماني سياسي فرنسي لدولة ينتمي أعضاؤه الى كتلة المعارضة الفرنسية الأساسية، وهو مُطعّم أيضاً بشخصيات من النخب الفرنسية الإعلامية المنتمية الى مشارب سياسية مختلفة، ويجمع بينها معارضتها لسياسة باريس المعتمدة المناوئة للنظام السوري.

أما الموعد الأوروبي الثاني في دمشق فهو محدَّد لوفد استخباري إسباني عالي المستوى يزور دمشق بدايات الشهر المقبل لإجراء محادثاتٍ مع المسؤولين السوريين الأمنيين.

وعلمت «الجمهورية» أنّ هذه الزيارة التي تُحاط بسرّية كاملة تتضمن موعداً للوفد الإسباني مع الاسد. وأبرز النقاط على جدول اعمال زيارة هذا الوفد تتعلق بالحصول على سجلات نفوس النازحين السوريين المسجلة في وزارة الداخلية السورية الذين يصلون الى إسبانيا، وذلك لتُجرى مطابقتها من السلطات الأمنية الأسبانية لكي تتأكد من أنّ النازحين اليها هم فعلاً نازحون سوريون، وأيضاً من غير أصحاب السوابق الإجرامية أو الإرهابية.

وكان مسار التنسيق مع وزارة الداخلية السورية للحصول منها على «تطابقات» تؤكّد أنّ الوثائق الثبوتية التي يقدمها النازح الذي يصل الى اوروبا صحيحة وغير مزوّرة، بدأها السويديون قبل أشهر. ولكنّ السويد إتخذت هذا الإجراء بإستقلالية عن الدول الأوروبية الأُخرى وعلى نحوٍ يتعلق بالنازحين السوريين الى السويد فقط.

وحالياً تحذو إسبانيا حذوها وتحاول عقد تفاهم مع وزارة الداخلية السورية يضمن لها تنسيق إجراء تطابق بين الوثائق الثبوتية التي يقدمها النازحون الى سلطاتها وبين نسختها الأصلية المسجلة في وثائق السجلات السورية.

وتمّ التمهيد لوصول الوفد الإسباني الأمني الى سوريا، بإجراءات حسن نية قدمتها إسبانيا للنظام السوري، كان أبرزها – أو أوضح ما ظهر منها- هو مقابلة أجرتها صحيفة Elpas (البايس) الاسبانية أخيراً مع الأسد.

ويُلاحظ أنّ المقابلة ركزت على إيصال موقف الأسد للمجتمع الاوروبي بهدنة وقف اطلاق النار في سوريا المطروحة الآن دولياً، حيث عرض شروطاً عدة:

أ- استخدام مصطلح وقف العمليات، وليس وقف إطلاق النار.

ب ـ ضمانات مسبقة لمنع استغلال المسلَّحين للهدنة لتحسين شروط تموضعهم العسكرية.

ج – عدم الاكتفاء بإعلان المسلَّحين موافقتهم على وقف النار لاعتبار التزامهم حقيقياً، بل انتظار تصرفاتهم للحكم على تقيّدهم بالهدنة.

وواقع أنّ إسبانيا ليست موجودة على تماس مباشر مع وصول دفعات النازحين السوريين الى اوروبا، يطرح سؤالاً عن السبب الذي يدفعها الى فتح حوار استخباري مع دمشق.

وتجيب مصادر مطلعة بالتركيز على ثلاث نقاط:

ـ الأولى، أنّ إسبانيا أبدت منذ وقت غير قصير إقتناعاً منها باعتماد نظرة للأحداث في سوريا تقترب من رؤية تشيكيا لهذا الامر. فتشيكيا التي قرّرت منذ بدء الأحداث السورية، الاحتفاظ بسفارتها في دمشق مفتوحة، قدمت نفسها لأوروبا بصفتها الراغبة في أداء دور مهندس الصلات الاستخبارية الخفية بين نظام الأسد والدول الأوروبية. وهي ساعدت في إنشاء تواصل بين أجهزة أمن أوروبية والنظام.

ـ الثانية، يبدو أنّ إسبانيا التي تعاني حالياً من أزمة فراغ سياسي حكومي، تسعى أجهزتها الأمنية الى إجراء مبادرات لتحصين وضعها الداخلي الأمني في مواجهة الإرهاب المرتحل من الشرق الأوسط الى أوروبا.

ـ الثالثة، في الأساس تصنف إسبانيا، بحكم موقعها الجغرافي على الخريطة الأوروبية، بأنها المتوجسة من أن يطاولها الإرهاب انطلاقاً من ليبيا وليس من سوريا، ولكنها تبدو الآن مهتمة بحيوية الإرهاب في سوريا انطلاقاً من اعتبارين اثنين، أولهما رغبتها في الحصول على تنسيق مع وزارة الداخلية السورية في خصوص تزويدها نسخاً اصلية عن سجلات نفوس النازحين السوريين الواصلين أو الذين سيصلون اليها.

وثانيهما تجميع «داتا» معلوماتية عن حركة تنقل الخلايا الإرهابية من المشرق العربي الى مغربه ومن الأخير الى أوروبا. ما تغيّر الآن في نظرة أوروبا الى علاقاتها بالنظام السوري، هو أنه يتمّ في هذه المرحلة اعتبار سوريا بأنها أفغانستان الشرق الأوسط لجهة أنّ حيوية الإرهاب توجد فيها.

وعليه فإنّ الدول المهددة بارتداد الإرهاب في المنطقة اليها تجد نفسها معنية بإقامة علاقات استخبارية مع النظام السوري. أضف أنّ طفرات النزوح السوري الى أوروبا أصبحت تشكل هاجساً انطلاقاً من اعتبارين اثنين؛ الأول كيف يمكن إيقافه في ظلّ عدم تعاون تركي كامل مع أوروبا على هذا الصعيد.

والثاني كيف يمكن إخضاع توافد النازحين السوريين الى أوروبا لمراقبة أمنية تضمن عدم تسلّل «داعش» من خلاله. وتوصل الأوروبيون ضمن مستويات دولهم الامنية، الى اقتناع بضرورة التعاون الاستخباري والأمني مع النظام السوري على ثلاثة محاور: الأول، تجميع معلومات عن حركة تنقلات «داعش» بين ضفتي المتوسط الشرقية والغربية (المشرق والمغرب العربيين) وأيضاً، الثاني، بين ضفتي المتوسط القديمة (العربية) والجديدة (الاوروبية).

والثالث، التحقق من أنّ «داعش» لا تملك اجندة تسلل الى أوروبا من خلال طفرات النازحين السوريين اليها. ويزداد الاهتمام في اوروبا بهذه النظرية كلما عمدت تركيا الى إحكام إغلاق حدودها مع سوريا ما يؤدّي الى تقلّص أعداد النازحين الواصلين اليها من سوريا، وبالتالي تقلّص حجم النزوح السوري من تركيا الى أوروبا. وبدل ذلك يتحوّل مسار النزوح من سوريا في اتجاه لبنان ومنه سراً الى المغرب العربي، حيث سواحل المتوسط الغربية.

ويلاحظ أنه فيما يستمرّ تدفق الوفود السياسية والأمنية، وخصوصاً الأوروبية، الى دمشق، بدأت الأخيرة تتّجه الى إحالة هذه الوفود الراغبة في الحصول على تعاون الدولة السورية في مجالات على صلة بمكافحة الإرهاب ومراقبة وثائق النازحين السوريبن، الى وزارة الداخلية السورية بصفتها الجهة المختصة بهذا الامر. وبذلك فهي تعطي صلات الدول الأوروبية بها صفة أكثر من أمنية وتقرب من أن تكون سياسية ورسمية.