تشكّل الزيارات الديبلوماسية المكثّفة إلى لبنان عنوان ثقة بالبلد واهتمام دولي إستثنائي، على الرغم من أن هذه الزيارات الديبلوماسية لم تنقطع يوماً، إلا أنها تكثّفت بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة، لا سيما مع تشكيل حكومة «إلى العمل»، وهذا أمر طبيعي حيث يريد المجتمع الدولي تلقّف تأليف الحكومة الجديدة منذ اللحظة الأولى، من أجل تحديد السقف الذي سيتم التعامل على أساسه مع لبنان، لا سيما في ظل الحرص الأكيد على إبقاء المظلة الدولية فوق لبنان، وذلك بحسب مصادر ديبلوماسية مواكبة للحراك الحاصل تجاه بيروت، والتي أشارت إلى وجود قراءتين متناقضتين لهذه الزيارات الديبلوماسية، وتحديداً الأميركية منها مع زيارة السفير دايفيد ساترفيلد، ولاحقاً وزير الخارجية الأميركية مارك بومبيو، بحيث رأت المصادر أن هاتان القراءتان لا تعكسان الواقع السياسي الفعلي، وتنطلقان من اعتبارات عديدة:
ـ القراءة الأولى، هي النظرة القريبة من «حزب الله»، والتي تضع هذه الزيارات، وتحديداً ساترفيلد وبومبيو لاحقاً ضد «حزب الله»، وأن هنالك تحريض على الحزب وسعي لضرب استقرار لبنان من أجل ضرب الحزب، وبالتالي، تشير المصادر نفسها، أن هذه القراءة غير دقيقة، وأن السياسة الدولية ليست في وارد إدخال لبنان في حرب أو حروب متنقّلة، في الوقت الذي يحرص فيه المجتمع الدولي على استقرار لبنان واستتباب أمن اللبنانيين، وبالتالي، تابعت المصادر، أي كلام عن المؤامرة هو كلام تعبوي وليس فعلي ولا حقيقي.
ـ القراءة الثانية، فهي تعتبر أن الولايات المتحدة الأميركية والمجتمع الدولي أخذ قراراً شبيهاً بالقرار 1559، ويريدان الإطاحة ب«حزب الله» وبالوضع اللبناني، والذهاب قدماً نحو تحقيق أهدافه على مستوى لبنان، وهو اتخذ القرار بمواجهة «حزب الله» على الساحة اللبنانية، تابعت المصادر الديبلوماسية، أن هذه القراءة خاطئة أيضاً، لأنه لو كان المجتمع الدولي، وتحديداً الأميركي، في هذا الإتجاه، لكن اتخذ قراراً بعزل الحكومة اللبنانية، وبسحب السفراء، وبتوسيع العقوبات على «حزب الله» إلى عقوبات بحق الدولة اللبنانية، وبوقف المساعدات الدولية الأميركية والأوروبية العسكرية للبنان، كما المساعدات تحت عنوان «سيدر».
وبالتالي، أضافت المصادر، كل هذه القراءات غير دقيقة، لأن هدف المجتمع الدولي في هذه المرحلة هو الحفاظ على الإستقرار في لبنان، وهذه الأولوية ما زالت نفسها ولا تعديل فيها، إنما مع الأخذ في الإعتبار أن المجتمع الدولي عموماً والأميركي خصوصاً عندما يشدّدان على سياسة النأي بالنفس، ويشدّدان على الخيارات الوطنية، إنما هما يوجهان رسالة واضحة أنه من الممنوع على لبنان أن يكون خاضعاً لنفوذ إيراني، ولا يريدان في ظل المواجهة مع إيران، وتحديداً بعد مؤتمر «وارسو» لأن يكون لبنان ساحة من ساحات إيران العسكرية وغير العسكرية، وبالتالي، في حال حصول أي تطور أمني من لبنان، كرد على العقوبات الدولية ضد طهران، فإن المجتمع الدولي لن يسكت أو يمرّر المسألة، لأن الإستقرار سيكون حينها بخطر.
وأشارت المصادر نفسها، إلى أن المجتمع الدولي لا يعتبر أن «حزب الله» يسيطر على لبنان، كونه يلتزم بالسقف الموجود اليوم لبنانياً، ولا يذهب باي اتجاه معاكس للإرادة الدولية، ستبقى الأمور على ما هي عليه. وأضاف أنه أكبر دليل على أن لبنان غير خاضع لـ«حزب الله»، هو مجيء وزير خارجية إيران إلى لبنان من دون أن يتمكن من انتزاع أي اتفاق لا عسكري ولا صحي من لبنان، وهذا أيضاً رسالة إلى الأميركيين أن لبنان لا يتعامل مع دولة عليها عقوبات دولية وتحديداً أميركية.
لذا، رأت المصادر أن الولايات المتحدة مرتاحة للوضع في لبنان، ولكنها تفضل أن تحذّر من أي جنوح بأي اتجاه، وتوجه رسالة في اتجاهين:
ـ رسالة لإيران و«حزب الله»، بأن أي محاولة جنوح سيتم الرد عليها، وفي لبنان بالذات.
ـ رسالة لقوى ما كان يسمى بـ «ثورة الأرز»، بأن لا تتراخى بما يؤدي إلى تعريض لبنان للخطر، أي أنه لا تهاون في المرحلة التي يشتدّ فيها الحصار على طهران بأن يكون لبنان ساحة إيرانية.