IMLebanon

خياران صعبان وخيار مستحيل

 

المشهد اللبناني جامد على السطح، وسط المشهد الاقليمي والدولي المتحرك في العمق. ولا أحد يجهل ان الجمود خادع ومخيف في بلد ينهار، سواء راهن عليه من لديه خطة لتغيير غير عادي او ارتاح فيه من لا يعرف ماذا يفعل. فالمنطقة في مرحلة تحولات في لعبة الصراع الجيوسياسي، حيث يحاول العرب الإنتقال من دور الضحية الى دور اللاعب في زحام اللاعبين الايراني والتركي والاسرائيلي. أميركا التي تركز إهتمامها على مواجهة اللاعبين الصيني والروسي، تمر في مرحلة انتقالية بين إدارتين في معركة على “روح” قوة عظمى منقسمة. ولبنان المأزوم والمنقسم يخشى من ان تتركه التحولات الجيوسياسية وراءها، ويخاف من ان يقاد الى “جهنم” بعدما تهربت التركيبة السياسية من “ان تقاد الى الجنة بالسلاسل” حسب القول المأثور.

 

وليس أمراً قليل الدلالات أن يكرر العالم تذكيرنا بخطورة الوضع، وتحذرنا فرنسا من “زوال لبنان”، فيما التركيبة السياسية مشغولة بمعاركها الصغيرة ومطالبها التافهة. لا بل ان هذه التركيبة المافيوية التي أخذت لبنان الى الإفلاس السياسي والمالي وراكمت الثروات تريد “حلاً” يزيد من ثرواتها: على العالم إنقاذ لبنان، وعلى اللبنانيين الضحايا تحمل الكلفة وتعويض ما سرقه النافذون.

 

وكل شيء صار مكشوفاً. حتى حسابات المحاصصة والعقد الداخلية التي تعرقل تأليف الحكومة، فانها مفتوحة على حسابات المحاصصة والعقد الخارجية. ومن فشل في تنفيذ ما وافقنا عليه في مبادرة الرئيس ايمانويل ماكرون ليس الفرنسي بل نحن. وما ضيعناه من وقت كان للسجال حول من يعرقل الدور الفرنسي: أميركا ام ايران ؟ هل السبب هو انتظار ما تفتحه الانتخابات الأميركية من فرصة او خطر ام الرغبة في إخراج فرنسا من المسرح اللبناني لتبقى الصفقة أو معركة الإنفراد بالبلد مقتصرة على واشنطن وطهران؟

 

ها نحن ننتظر ما يتفق وما يختلف عليه الفرنسيون والأميركان في اجتماعات باريس لتحريك موضوع الحكومة، من دون أن نجهل دور ايران. والواقع اننا في ورطة بين خيارين صعبين وخيار مستحيل. “محور الممانعة” يقول لنا ما خلاصته: نحن في لبنان آخر، ولا حكومة إلا على صورته الجديدة، أي حكومة يسيطر عليها “حزب الله”. المحور الاميركي – السعودي يطلب فك ارتباط، لا فقط مع “حزب الله” بل ايضاً بين الطائفة والحزب. وكلاهما صعب وخطر ولا أحد يعرف الى أين يقود. أما الخيار المستحيل بين دوران لبنان في فلك ايران وبين دورانه في فلك العرب والغرب، فانه توهم القدرة على الدوران في الفلكين معاً.

 

يقول الكاتب الفرنسي اندريه مالرو: “الانسان هو ما يخفيه”. والرئيس ماكرون لمس البرهان العملي على صحة ذلك بالتعامل مع التركيبة السياسية في لبنان.