تتشابه بأوجه عدة الإعتداءات الإرهابية في كل من باريس وبيروت. غير أنها تدل على نوعين مختلفين من الفشل في منعها. تشير في فرنسا خصوصاً الى عجز الأنظمة الدولية القائمة – وليس بالضرورة مؤسسات الدولة الفرنسية – عن التعامل مع أكبر تهديد تواجهه الإنسانية منذ الحرب العالمية الثانية. أما في لبنان، فيؤكد إخفاق الجهات غير التابعة للدولة اللبنانية في التعامل مع هذا الشر المستطير.
تمارس “الدولة الإسلامية” (داعش) مركّباً من ظلامية العصور الوسطى وفاشية هذا العصر. لا تقيم أي اعتبار للحياة الإنسانية. ثمة اجماع دولي واضح على الحاق الهزيمة بهذا التنظيم وبـ”جبهة النصرة”. كل منهما وجد في سوريا خصوصاً – ولكن أيضاً في العراق، وبدرجة أقل حتى الآن في دول أخرى – أرضاً خصبة للذهاب الى أبعد الممكن في اتباع مذهب الإرهاب عند تنظيم “القاعدة”. الإرهاب ارهاب أينما وقع. أنشأ المجتمع الدولي مؤسسات وطوّر أنظمة لمكافحة الإرهاب عبر العالم. غير أن ما اتخذ من قرارات في مجلس الأمن، وتحديداً منذ الهجمات الإرهابية في ١١ أيلول ٢٠٠١، لم يؤد حتى الآن الى لجم هذه الظاهرة. تمكن وحوش هذا العصر من ترهيب الدول والأمم والجماعات والأفراد، من الولايات المتحدة الى فرنسا ومن روسيا الى نيجيريا ومن باكستان الى لبنان. معدودة هي البلاد التي لم تصل اليها أيدي الأشرار.
بالإضافة الى فشل لجان العقوبات في احباط “القاعدة” وغيرها، لم تنجح المؤسسات الدولية في لجم هذا التصاعد المخيف لعدد الإرهابيين. سنّت غالبية الدول قوانين مشددة لمكافحة الإرهاب. غير أن النجاحات ظلّت محدودة نسبياً على رغم منح الأجهزة الأمنية والعسكرية مزيداً من الصلاحيات، طبقاً للقوانين الدولية والمحلية، في محاولة لتعزيز القدرات في هذه المواجهة الضارية. فرض الإرهاب تغييراً في أنماط الحياة. غير أن فرنسا رفضت التخلي عن قيمها في هذه المعركة. بل انها انتقدت الإجراءات التي اعتمدتها دول أخرى لإفراطها في الحد من حريات العامة والمس بخصوصيات الناس.
العاصمة الفرنسية ليست مكاناً محلياً بل هي حاضرة انسانية عالمية. ليست مجرد مقصد عالمي لمعلم سياحي. استهدافها ليس استهدافاً لفرنسا حصراً. فشلت السلطات الفرنسية في منع هذه الهجمات. لكن الأكثر إثارة هو أخفاق الأنظمة الدولية الراعية لمكافحة الإرهاب في حماية باريس. تحتاج هذه الحرب الى انهاء الإنقسامات الدولية على سبل مواجهة الإرهاب مثلما تحتاج أيضاً الى احترام القوانين الدولية وحقوق الإنسان.
أما الهجمات الإرهابية في بيروت، فتعني فشلاً ذريعاً للأجهزة الأمنية المعنية بمكافحة الإرهاب في ما تبقى من مؤسسات الدولة اللبنانية، ولكن كذلك وبدرجة أهم للجهات الأخرى التي أخذت على عاتقها هذه المهمة – وأبرزها على الإطلاق “حزب الله”. الضاحية الجنوبية مكان محلي يعني استهدافه استهداف جهة بعينها. الوحدة بين اللبنانيين واحترام سلطة الدولة وحكم القانون قد يكونان حاسمين في هذه المواجهة.
لا فارق في أي حال بين الضحايا هنا والضحايا هناك.